في ظل الزخم المُتزايد الذي تكتسبه قضية التحول صوب الطاقة المُستدامة والاقتصادات التي تُخلف صفر انبعاثات كربونية، يبدو الهيدروجين الأخضر نوعاً جديداً واعداً من الوقود، يحمل معه أملاً حقيقياً لتنفيذ هذا التحول بنجاح، ورسم مسار أفضل للاقتصاد بتكاليف منخفضة.
ويتنامى دور الهيدروجين الأخضر في تمكين العالم من التبني الفعلي للطاقة المُتجددة، وتتزايد الآمال العالمية المعقودة عليه في هذا الشأن، وهو الاتجاه الذي واكبته الإمارات حيث حظي هذا النوع الثوري من الوقود باهتمام كبير من الدولة لاسيما مع ما تتمتع به من بيئة استثمارية وبنية تحتية ومرافق فضلاً عن العلوم والخبرات المتخصصة.
3 ألوان
ويعد الهيدروجين أحد عنصرين مُكونين للماء، بينما الأكسجين هو العنصر الآخر. وينتج الهيدروجين الأخضر عن عملية تحليل الماء إلى عنصريه باستخدام مصادر الطاقة المُتجددة، وتحديداً التحليل الكهربائي وهنا تكمن أهمية الهيدروجين الأخضر وسر ارتباطه بالطاقة المُستدامة، ذلك أنها هي المسؤولة بالأساس عن توليده.
ويجدر بنا في هذا السياق مُقارنة الأنواع الثلاثة المعروفة من الهيدروجين، والتي يحمل كل منها اسم لون مُعين وأولها الهيدروجين الأخضر ويتم إنتاجه عبر عملية التحليل الكهربائي، الهيدروجين الرمادي ويتم إنتاجه عبر الإصلاح الحراري التلقائي أو معالجة البخار، أما الهيدروجين الأزرق ويُقصد به توليد الهيدروجين اصطناعياً بواسطة تفاعل كيميائي مُنتج للحرارة تلقائياً بسبب الطاقة العالية أو معالجة البخار.
ومن الجدير بالذكر أن الهيدروجين الأخضر له نوعان مُتفرعان منه، ويشتركان معه في ميزة الاعتماد على الطاقة المُستدامة في عملية الإنتاج. يتمثل النوع الأول في الهيدروجين الوردي، وهو يتولّد بالتحليل الكهربي أيضاً مثل الهيدروجين الأخضر، إلا أن عملية إنتاجه تختلف في كونها تعتمد على الطاقة النووية. ويتولّد النوع الثاني، وهو الهيدروجين الأصفر، بالتحليل الكهربائي أيضاً، ولكن عملية إنتاجه تُدار بالطاقة الشمسية.
آفاق واعدة
وبخلاف المميزات البيئية والمناخية العديدة للهيدروجين الأخضر، فثمة ميزة اقتصادية هائلة له تتمثل في انخفاض كُلفة إنتاجه، الأمر الذي يخلق هيكلاً اقتصادياً جديداً يُمكن تسميته بــ «اقتصاد الهيدروجين الأخضر». وبحسب دراسة أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبر «بي دبليو سي» البريطانية للاستشارات، فمن المتوقّع انخفاض كُلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بنسبة تبلغ حوالي 50% خلال الفترة من الآن وحتى عام 2030. وتوقّعت الدراسة أيضا أن يتواصل الانخفاض على نحو مُطرد حتى تتراجع كُلفة إنتاج الكيلوجرام الواحد من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050 إلى ما يتراوح بين 1 إلى 1.5 يورو «1.12 إلى 1.68 دولار» فقط.
وفي المُقابل رصدت الدراسة نفسها طلباً عالمياً مُتنامياً على الهيدروجين الأخضر خلال السنوات الأخيرة. فقد بلغ حجم الطلب في عام 2020 حوالي 65 مليون طن، أي ما يفوق 3 أضعاف حجم الطلب قبل ذلك بأربعة عقود، وتحديداً في عام 1980.
وتوقّعت الدراسة أن يتواصل النمو في الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر ليبلغ 530 مليون طن بحلول 2050. وبحسب الدراسة، فإن هذه الكمية ستحل في ذلك التاريخ محل 10.4 ملايين برميل من النفط، والتي بدورها تُعادل 37% من الإنتاج العالمي للنفط حالياً.
وفيما يخص حجم سوق الهيدروجين الأخضر حالياً، فيُقدّر حجمها بما يتجاوز 300 مليون دولار وفقاً لتقرير أصدرته شركة «ألايد ماركت ريسيرش» الأميركية المتخصصة في معلومات السوق، قُدّر حجم سوق بقيمة 300 مليون دولار.
ويتوقّع التقرير أن ينمو هذا الرقم بمعدل سنوي مركب يقارب 55% خلال الأعوام 2021 – 2028، الأمر الذي يعني أن قيمة السوق قد تصل إلى 10 مليارات دولار تقريباً خلال سبعة أعوام فقط.
أهم المنتجين
وتتعدد الدول المُنتجة للهيدروجين الأخضر عالمياً فيما تتصدر الصين قائمة المنتجين حيث أطلقت بكين أول خارطة طريق لإنتاج الهيدروجين الأخضر في عام 2016، وبعد مرور ثلاثة أعوام فقط صار لديها ما يزيد عن 30 مشروعاً لإنتاجه، بحسب بيانات صادرة عن المُنتدى الاقتصادي العالمي.
وأفادت البيانات نفسها بأن أحدث خُطة خمسية للصين وضعت إنتاج الهيدروجين الأخضر كواحدة من ست صناعات مستقبلية رئيسية للدولة.
وتمتلك الصين ثالث أكبر أسطول على مستوى العالم من مركبات خلايا الوقود هي نوع من أنواع المركبات الكهربائية التي تستخدم خلايا وقود الهيدروجين بدلاً من البطارية.
وتحتل اليابان المرتبة الثانية ضمن قائمة كبار منتجي الهيدروجين الأخضر ووصل حجم استثمارات الحكومة اليابانية في إنتاجه وتقنيات خلايا الوقود 670 مليون دولار 2021. وتطمح الدولة من هذه الاستثمارات العريضة إلى رفع حجم أسطولها من مركبات خلايا الوقود إلى 800.000 مركبة وكذلك رفع عدد محطات إعادة التزود بالهيدروجين لديها إلى 900 محطة بحلول عام 2030.
أما كوريا الجنوبية فيُعتبر الهيدروجين الأخضر مُحركاً شديد الأهمية لاقتصادها في الوقت الراهن وتطمح الحكومة الكورية إلى رفع نسبة مساهمة الهيدروجين الأخضر في تلبية احتياجات الدولة من الطاقة إلى 10% بحلول عام 2030، ثم إلى 30% بحلول عام 2040.
طموحات عريضة
وبالعودة إلى دراسة «بي دبليو سي»، فقد أكّدت أن الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي عموماً تمتلك فُرصاً عريضة للنجاح في اقتصاد الهيدروجين الأخضر بُحكم وفرة مصادر الطاقة المُتجدّدة اللازمة لإنتاجه لديها، ذلك أن سعر الطاقة الكهربائية لديها رخيص إلى حد بعيد، فيما تتوافر الطاقة الشمسية لديها على مدار العام.
وفيما يتعلق بالإمارات، تسعى الدولة بُخطى حثيثة إلى تحقيق الاستفادة القُصوى من اقتصاد الهيدروجين الأخضر، وذلك في سياق خُطط تنويع اقتصادها من جانب، ومن سعيها لتحقيق الحياد الكربوني من جانب آخر.
وكان المُنتدى الاقتصادي العالمي قد أصدر تقريراً في ديسمبر الماضي، تطرّق فيه إلى طموحات الإمارات في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وذكر التقرير أن الإمارات تسعى وراء طموحات عريضة وجريئة فيما يتعلق بالهيدروجين الأخضر، مبيّنا ً أن هذه الطموحات تتجسد في استراتيجية جديدة للهيدروجين عموماً تتبناها الدولة، وتهدف من خلالها إلى الاستحواذ على ربع السوق العالمية للهيدروجين منخفض الكلفة بحلول 2030.
وكانت الإمارات قد عززت هذه الاستراتيجية بإعلانها بمنتصف نوفمبر الماضي، شراكة بين شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة «طاقة»، بهدف تأسيس مشروع جديد بمعايير عالمية للطاقة النظيفة.
وستتعاون «أدنوك» و«طاقة» في تأسيس مشروع مشترك جديد بمعايير عالمية للطاقة النظيفة بقدرة إنتاجية تزيد على 30 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وذلك للمساهمة في تعزيز جهود دولة الإمارات الهادفة لمواكبة التحول في قطاع الطاقة وإرساء مكانة رائدة في مجال الهيدروجين الأخضر.
وستركز الشراكة الاستراتيجية الرائدة على تأسيس مشروع طموح سيخلق كياناً جديداً لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، ومشاريع تحويل النفايات إلى طاقة على المستويين المحلي والدولي، بالإضافة إلى مشاريع إنتاج ومعالجة وتخزين الهيدروجين الأخضر والأنشطة الإضافية ذات الصلة. وتستفيد الشركة الجديدة من قدرات أدنوك في قطاع الطاقة والهيدروجين، ومن خبرات «طاقة» المتنوعة من الطاقة المتجددة، لتحقيق أهدافها الطموحة بإنتاج أكثر من 30 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2030.