
نجحت الإمارات في تحقيق قفزات على صعيد تبني نموذج الاقتصاد الدائري، الذي بات ركيزة أساسية في مسيرة التعافي الاقتصادي ما بعد كورونا، من خلال إطلاق استراتيجيات وتنفيذ خطوت عملية ملموسة، الأمر الذي قد يسهم في تحقيق وفورات تصل إلى 102.8 مليار درهم خلال الفترة ما بين (2020 – 2030)، بحسب دراسة لشركة «استراتيجي آند» التي أشارت إلى أن الوفورات تتوزع بين 40.37 مليار درهم في النقل، و35.9 مليار درهم في المنازل، و26.42 مليار درهم في البيئة العمرانية.
الإمارات في الصدارة
وأكد تقرير لشركة «بي دبليو سي»، أن دولة الإمارات تعد أكثر الدول الخليجية التي اتخذت خطوات عملية على صعيد التحول نحو الاقتصاد الدائري، حيث أعلنت في 2015 عن «الإطار التنظيمي للخطة الوطنية للإنتاج والاستهلاك المستدامين» (2019-2030)، ثم أعلنت في 2017 عن «الخطة الوطنية للطاقة لعام 2050»، التي تستهدف خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من الأنشطة الاقتصادية للدولة بنسبة 70% وزيادة استهلاك الطاقة المتجددة والنووية بنسبة 50% بحلول 2050، ثم كشفت عن «استراتيجية الأمن المائي للإمارات لعام 2036»، والتي تستهدف زيادة الاعتماد على المياه المُعاد استخدامها بنسبة 95% بحلول عام 2036، وأن أحدث الخطوات كان إعلان دائرة الطاقة في أبوظبي عن إطلاق سياسة إنتاج الطاقة من المخلفات لدعم عملية التحول صوب اقتصاد أكثر استدامة.
وأكد مختصون أن دولة الإمارات نجحت في وضع خارطة طريق، لتعزيز تبني نموذج الاقتصاد الدائري من خلال تحقيق الإدارة المستدامة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية، وتبني أساليب وتقنيات الاستهلاك والإنتاج التي تضمن تعزيز كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية وتقليل الهدر.
توجّه إلزامي
وقال خبير الاستدامة المدير العام الإقليمي لشركة إنسينكراتور، محمد كرم، إن الاقتصاد الدائري أصبح إلزامياً وأولوية على الأجندة الدولية، فقد غيرت جائحة كورونا، وأزمة التغير المناخية، الأولويات، بحيث أصبح تبني الاقتصاد الدائري أحد أهم عوامل التنمية، مشيراً إلى أن دولة الإمارات تعد من أوائل الدول في المنطقة التي تبنت وشجعت الاقتصاد الدائري أو الاقتصاد الأخضر.
وأضاف أن المبادرات والتشريعات والقوانين التي اعتمدتها دولة الإمارات عززت مكانة الدولة ووضعتها على خريطة المنطقة والعالم كأحد أهم المراكز الاقتصادية لجذب الاستثمارات والعقول ليس فقط في مجال الاقتصاد الدائري، فقد أصبحت الإمارات بيئة جذبه للراغبين في النجاح والتنمية المستدامة.وأوضح كرم أن دولة الإمارات تعد الاختيار الأول للشركات التي تقدم حلولاً تدعم التوجّه نحو الاقتصاد الدائري والحلول المستدامة، مشيراً إلى أن هيئة كهرباء ومياه دبي أطلقت مبادرات مركز دبي للكربون، بهدف الوصول إلى الحيادية الكربونية بحلول 2030، وكذلك اختيار مدينة أبوظبي، لتكون المكتب الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة إيرينا، وإطلاق مبادرة حكومة بلا أوراق، والشاحن الأخضر الذي يدعم التوجه نحو قيادة السيارات الكهربائية، ناهيك عن المشروعات الكبرى للطاقة المتجددة والطاقة الشمسية كمشروع مجمع محمد بن راشد للطاقة ومشروع نور أبوظبي ومحطة غنتوت لتحلية المياه بالطاقة الشمسية وغيرها من المشاريع الكبرى داخل الدولة وخارجها، حيث تستثمر الإمارات عن طريق الحكومة أو عن طريق الصناديق السيادية في العديد من مشاريع الطاقة المتجددة، وخصوصاً في أفريقيا والدول النامية.
التخلص من مخلفات الإنتاج
وقالت مستشارة حلول الاستدامة لدى «آسبن تِك»، الدكتورة د. بيغ مورس، إن الاقتصاد الدائري يتطلب أن تقضي العمليات الصناعية على الانبعاثات والنفايات المرتبطة بالإنتاج، من خلال دمج عمليات متعددة وإعادة تصميم المنتجات، واستخدام نفايات إحدى العمليات كوسيط ضمن عملية أخرى. إضافةً إلى ذلك، يتم تلبية احتياجات الطاقة لعمليات التصنيع من خلال مصادر طاقة متجددة غير مضرة بالبيئة.وأضافت أن الرقمنة تساعد على تسهيل هذا التكامل من خلال توفير رؤية متكاملة لجميع الأصول المتصلة ومشاركة البيانات، مشيرة إلى أن شركة «سابك» توظف نماذج التوأم الرقمي (Digital Twins) المستخدمة في إدارة الطاقة، ما ساعد على تحديد فاقد الطاقة على مستوى المعدات، وبالتالي إجراء عمليات التحسين على مستوى النظام بهدف تحقيق أقصى قدر ممكن من توفير استهلاك الطاقة.
وأوضحت أن الربحية ستكون الأمر المهم دائماً للشركات لضمان استمرارية عملها، ولكن في المقابل يجب على الشركات دمج مقاييس جديدة لرسم النجاح مثل تحديد نسبة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ونسبة المواد المعاد تدويرها، بالإضافة إلى تحديد نسبة النفايات المحولة والمستخرجة من مكبات ومدافن النفايات.
وأفادت مورس بأن مؤسسة «إلين مكارثر» (Ellen MacArthur) قدرت أن تبني نموذج الاقتصاد الدائري في صناعة البلاستيك على سبيل المثال، قد يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول عام 2040، ما يؤدي إلى توفير 200 مليار دولار سنوياً، مشيرة إلى أن إعادة استخدام المنتجات المستهلكة أو إعادة دمج المواد الخام في المنتجات الجديدة، والتي تعد العصب الأساسي لنهج الاقتصاد الدائري، تلغي الطلب على الطاقة وتخفض النفايات الناتجة عن عمليات الإنتاج الأولي من المواد الخام القائمة على الوقود الأحفوري.