بعد مرور عام على بدء الجائحة التي فرضت على ملايين الناس حول العالم أن يعملوا من المنزل، كشفت دراسة استقصائية أجرتها شركة “بي دبليو سي” مؤخراً أن نحو 83% من الموظفين أفادوا بأن تجربة العمل عن بُعد كانت ناجحة لشركاتهم. لكن على الرغم من أن العمل الافتراضي قد أثبت فعاليته إلى حد كبير، فإن بعض عادات العمل من المنزل تؤثر سلباً على وضعيات جلوس الأشخاص مما قد يؤدي إلى إصابات خطيرة في العمود الفقري.
لا شك أن جائحة كوفيد-19 وضعت تصوراً جديداً لمفهوم المنزل كما نعرفه. فمع التقاء العمل والترفيه تحت سقف واحد في ظل الواقع الجديد، لاحظ مستشارو تقويم العظام في جميع أنحاء العالم زيادة في عدد الأشخاص الذين يعانون من آلام الظهر والرقبة. وعلى الرغم من أن العديد من الشركات كانت سريعة في الاستجابة للجائحة وتبني سياسات فعالة للعمل من المنزل، إلا أن الناس لم يكونوا مجهزين لتحويل منازلهم إلى أماكن عمل صحية. ومع تشديد القيود في جميع أنحاء العالم، أصبحت الشاشات أهم أداة للتواصل، لكن بالنسبة للكثيرين، استوجب ذلك قضاء ساعات طويلة من الجلوس والانحناء إلى الأمام في وضعيات سيئة للغاية يمكن أن تسبب أضراراً كثيرة في الجسم على المدى البعيد.
متحدثاً عن هذه المسألة، قال الدكتور إيلي رومانوس، أخصائي جراحة العظام في مستشفى فقيه الجامعي: “إن أكثر مشكلات الوضعيات الخاطئة شيوعاً سببها الجلوس لفترات طويلة على أثاث غير مدعوم، مثل الأرائك أو الأسرة أو كراسي المطبخ. فأثناء الإغلاق، وجد الناس أنفسهم يقضون ساعات طويلة للغاية منحنين باتجاه شاشاتهم في مناطق مختلفة في أرجاء المنزل، مع قليل من الوعي حول الآثار التي يمكن أن تحدثها هذه العادات على العمود الفقري. في الواقع، قد تكون أنت نفسك وأثناء قراءتك لهذه المقالة في وضعية انحناء نحو شاشتك استمرت خلال الدقيقتين الماضيتين.”
وأضاف الدكتور رومانوس: “لا يهتم الناس كثيراً لتوفير الدعم المناسب للمعصم عند العمل على أجهزة الحاسوب المحمولة. وهناك العديد من حالات الضغط على الأعصاب عند المرفقين أو مفاصل الرسغ.” وأشار الدكتور رومانوس أيضاً إلى ارتفاع حالات الإصابة بمتلازمة النفق الرسغي التي تتسبب بالتنميل والخدر والألم في اليد، مؤكداً أن السبيل الوحيد للخروج من مشاكل آلام الظهر أو الرقبة هو وعي الناس ومعرفتهم لأفضل وضعيات لأجسادهم والتصرف بناءً على ذلك”.
وتابع الدكتور رومانوس قائلاً: “بشكل عام، ينقسم ألم العمود الفقري إلى قسمين. أولاً، لدينا الألم العضلي و/ أو المفصلي والذي يكون فقط في الرقبة أو أسفل الظهر. وثانياً لدينا الألم العصبي مثل عرق النسا، والذي ينتج عن تهيج العصب في العمود الفقري أو زيادة الضغط عليه ويمتد نحو الأصابع أو القدمين. من المهم أن نلاحظ من أين يأتي الألم وفترة استمراره والعلامات المرافقة له”.
وفي حال تكرر الألم أكثر من المعتاد، فقد يكون أكثر خطورة، خاصة عندما يشمل الألم في الأعصاب. وفي حالات نادرة، إذا كان الشخص المصاب بألم في الرقبة يعاني من فقدان التوازن أو التحكم في حركات الأصابع الدقيقة مثل غلق الأزرار، أو في حالة آلام أسفل الظهر إذا فقد الشخص السيطرة أو الإحساس في منطقة من أطرافه السفلية أو حتى السيطرة على المثانة أو التبرز، فعليه طلب المساعدة فوراً والتوجه إلى أقرب قسم للطوارئ في أسرع وقت ممكن.
ويشارك الدكتور رومانوس أهم 8 نصائح عنده حول كيفية تجنب آلام الظهر والرقبة والمعصم أثناء العمل من المنزل:
اجلس على كرسي مريح: على الرغم من أن ذلك قد يبدو أمراً بديهياً، إلا أن الكراسي المنزلية لا تقارن بتلك الموجودة في المكاتب. ومع احتمال امتداد نموذج العمل من المنزل لفترة طويلة في المستقبل المنظور، فمن الحكمة الاستثمار في شراء كرسي مريح مصمم لدعم الرقبة والظهر.
احرص أن تكون الزاوية 90 درجة بين الركبتين والكاحلين والوركين: عند التحديق في شاشة جهازك لساعات متتالية، قد يصعب الحفاظ على هذه الوضعية الثابتة. لكن تذكر كلما وجدت أنك اتخذت وضعية أخرى أن ترجع إلى الوراء وترخي مفاصلك وعضلاتك.
اقتنِ وسادة السيليكون المخصصة لدعم المعصم عند الطباعة: من الضروري أن تلاحظ أن الرسغين والأصابع تكون عرضة لإجهاد مفرط عند عدم توفير الدعم اللازم. ويمكن للأدوات الصغيرة مثل هذه الوسادة أن تحدث فرقاً كبيراً.
ضع الشاشة بموازاة مستوى العين: يجب ألا تقوم بثني الفقرات العنقية في عمودك الفقري للخلف أو للأمام في أي وقت من الأوقات. يمكنك تكديس بعض الكتب أو الصناديق لضمان توازي شاشتك مع مستوى العين وبالتالي عدم الاضطرار للانحناء للنظر إليها.
خذ فترات استراحة كل 45 دقيقة: ليس هناك أهم من أخذ استراحة بسيطة لبضع دقائق كل 45 دقيقة. إذا استطعت، امشِ قليلاً ومدّد عضلاتك. بذلك ستتجنب أي توتر أو إجهاد وسترخي مفاصلك وعضلاتك كما ستريح عينيك من النظر إلى الشاشة.
استخدم كمادات الثلج أو التدفئة لتخفيف الألم: تأكد من عدم إهمال أي قدر من الألم وتركه دون معالجة. إذا شعرت أن عضلاتك مشدودة أو أن ظهرك متصلب، حاول استخدام إحدى هذه الاستراتيجيات. أما للإصابات الحادة أو الألم والالتهابات والتورم الملحوظ، استخدم كمادة الثلج. لتصلب العضلات أو الألم، استخدم كمادة حرارية.
احصل على قسط كافٍ من النوم وتأكد أيضاً من اتخاذ وضعية جيدة: غالباً ما يكون العمل من المنزل مجهداً. فيجب المحافظة على خط فاصل بين “المنزل” و”المكتب”، حتى إن أدى ذلك إلى العمل في غرفة أو مكان مختلف. إذا وجدت نفسك نائماً في أوضاع غير مريحة أو مؤذية، حاول أن تدعم وضعية نومك باستخدام وسائد داعمة طوال الليل.
استثمر في شراء مرتبة مريحة: إن استرخاء العظام والعضلات لا يحدث فقط أثناء الجلوس إذ يقضي الناس ثلث حياتهم تقريباً مستلقين على السرير، لذلك فإن ضمان حصولك على مرتبة مناسبة تدعم ظهرك خلال النوم هو أمر حيوي لاتخاذ وضعية صحية.
والأهم من كل ذلك، إذا كان الألم لا يحتمل واستمر أكثر من يوم أو رافقته علامات مرتبطة بالأعصاب، فلا تتردد في زيارة طبيبك والحصول على مشورة المختصين.
–