أكد معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، أن القمة العالمية للحكومات التي انطلقت أعمالها، مستلهمة الرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وبرعاية ومتابعة كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مهمّتها التركيز على الفرص والمساحات الشاسعة من النمو والتطور، فالحكومات تحتاج دائماً إلى وقفة لترتيب أولوياتها، والنظر بمنطقية أكثر للعالم من حولها، مشدداً على أن تركيزنا ووعينا هو الذي يحدد أين ستتوجه طاقاتنا، وبالتالي كيف سنصنع مستقبلنا.
ورحب معاليه في كلمته خلال حفل افتتاح القمة العالمية للحكومات 2024، التي تعقد في دبي خلال الفترة من 12- 14 فبراير الجاري، بالمشاركين والحضور.
وقال: «لسنا مفرطين في التفاؤل.. أو واهمين.. بل أرجلنا على الأرض.. واعين بمحيطنا.. حريصين على مواجهة التحديات حولنا».
وأوضح أن مهمّة القمّة العالمية للحكومات هي التركيز على الفرص، والمساحات الشاسعة من النمو والتطور، مضيفاً: «نحن هنا لنرفع السقف.. ونوسّع مساحات الممكن».
أكثر تفاؤلاً
ودعا معالي محمد القرقاوي المشاركين في القمة إلى عدم النظر فقط إلى الواقع الصعب الذي يعيشه العالم، وقال إن أعين الجميع لا بد أن تظل على المستقبل الأفضل والأجمل الذي يمكن أن نتركه للأجيال القادمة، مؤكداً أن اختياراتنا هي التي تصنع قدرنا.
وأضاف معاليه: «نحن هنا اليوم في قمة تجمع أهم 85 منظمة دولية.. و120 حكومة، وأكثر من 25 رئيس دولة وحكومة، و700 من رؤساء كبرى الشركات العالمية، وأكثر من 4000 من المتخصصين والمسؤولين.. بإمكاننا رغم كل ما يدور حولنا من أحداث، أن نلعب دوراً مهماً في تغيير نظرة العالم للكثير من القضايا والتحديات.. بإمكاننا أن نركّز نظرتنا وطاقاتنا على ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.. بإمكاننا أن نلعب دوراً في صنع الأمل، وصنع مجتمعات أكثر تفاؤلاً.. وبإمكاننا تشجيع التواصل التجاري والحضاري بين الدول، بدل الانقسام والاستقطاب الاقتصادي العالمي.. وبإمكاننا أن نعمل معاً على تقليص مخاطر التكنولوجيا، وتعظيم فوائدها.. بإمكاننا أن نشجع السلام بدل الحرب.. والخير والتسامح بدل الكراهية.. بإمكاننا أن نحقق الكثير عبر هذا التجمع السنوي الكبير».
ورسم معالي محمد القرقاوي، من خلال كلمته أمام الحضور العالمي في القمة، خريطة تحفز على التفاؤل والعمل الجماعي لتحقيق الأفضل للجميع، مؤكداً أننا لو نظرنا عبر التاريخ لوجدنا، برغم بعض الظروف العالمية الصعبة، أننا نعيش في حقبة بشرية هي الأفضل والأكثر أمناً ورفاهاً وصحة وفرصاً، مشيراً إلى أن النظرة الإيجابية لا تعني غض النظر عن التحديات الموجودة، ولكن حتى تكون مرجعيتنا في حل هذه التحديات، هي التفاؤل بمستقبل أفضل.
مؤشرات إيجابية
واستعرض معاليه 4 مؤشرات على حجم الإيجابيات الكبيرة التي يعيشها عالمنا اليوم، وأولها تضاعف عمر الإنسان والصحة، حيث تضاعف عمر الإنسان في آخر 200 عام، كما أننا نعيش في عصر يمكننا الحصول فيه على العلاج والاستشارة والدواء من أي مكان وخلال أيام، وتمكّن العالم من إيجاد علاجات مبتكرة لأمراض عانت البشرية منها لقرون، ومن الممكن اليوم من خلال فحص دم واحد الكشف عن 50 نوعاً من السرطانات والأورام.
وثاني هذه المؤشرات تراجع الفقر بشكل مستمر، فرغم التحليلات الاقتصادية المتشائمة التي نسمعها، تقلّص عدد الدول الفقيرة إلى النصف خلال 20 عاماً فقط، وتم تقليص معدلات الفقر بنسبة 50% في 25 دولة أخرى.
وأشار معالي محمد القرقاوي إلى أن ثالث هذه المؤشرات أننا نعيش في عالم يشهد أكبر طفرة معرفية، حيث نشهد اليوم نشر 120,000 كتاب جديد في العالم كل شهر، ونكتب 6 ملايين مقالة على المدونات يومياً، تم محو الأمية في 86% من البشر وسجل العالم 33 مليون براءة اختراع خلال عقد واحد من الزمن. وأصبح التعليم عابراً للقارات والأعمار والأزمان.
وفي رابع هذه المؤشرات قال معاليه «نحن نعيش في عالم أكثر ترابطاً وسهولة في العيش والتنقّل والسفر.. الجسور الاقتصادية بين الدول خفضت تكاليف المعيشة وأوجدت مئات الملايين من الوظائف الجديدة.. وربطت ملايين البشر ببعضهم البعض.. هناك حوالي 100,000 رحلة جوية يومياً.. تنقل الأفراد.. والبضائع والأفكار.. وبلغ حجم القطاع اللوجستي عالمياً حوالي 8 تريليونات دولار».
مستقبل العالم
كما استشرف معالي محمد القرقاوي مستقبل العالم من خلال 4 أرقام تمثّل اتجاهات عالمية في الاقتصاد، والسياسة، والإعلام، والمجتمع وغيرها، حيث سيكون المستقبل مرهوناً بقرارات حكومات العالم حولها، وقال معاليه: «هذه الأرقام هي مؤشرات لتطورات عالمية، قد تشكّل تحديات لمستقبل العالم، أثرها على مستقبلنا سيكون مرهوناً بقراراتنا اليوم، كحكومات ومنظمات وشركات وقادة فكر، وحتّى أفراد»، واضعاً معاليه الجميع أمام تساؤل مهم حول كيفية تحويل هذه التحديات إلى فرص.
الرقم الأول الذي تحدث عنه معاليه هو 17 تريليون دولار، والذي يمثل تكلفة النزاعات والصراعات والعنف حول العالم في عام واحد فقط، مما يمثّل حوالي 6 دولارات يومياً عن كل شخص على هذا الكوكب، 6 دولارات لم تستثمر في البناء والتعليم والصحة، إنما في الحروب والتخريب والدمار.
وقال معاليه إن هذه الحروب والنزاعات هي نتيجة مباشرة لفكر الكراهية، والمشاعر السلبية تجاه الآخر، تؤججها فوضى إعلامية، ويشعلها الخوف من المستقبل، وتوقع الأسوأ، مشيراً معاليه إلى أنه بالمقابل، يمكن أن يغطي نحو 6 % من هذا الرقم تكلفة أهم التحديات التي تواجهها الإنسانية في عام واحد.
وشدد معالي محمد القرقاوي على أن «ما يجمعنا كبشرية أكثر بكثير مما يفرقنا، وما يمكن أن نحققه معاً كمكاسب، أكثر بكثير مما تحققه الحروب، وما يحتويه الكوكب من موارد يكفينا ويكفي الأجيال القادمة، لو أحسنا استثماره واستخدامه في خير البشرية». أما في ثاني الأرقام، فأشار معاليه إلى أن 50% من النمو العالمي يأتي من الصين والهند فقط؟ حيث ستشكّل هاتان الدولتان مستقبل النمو الاقتصادي العالمي، ما يؤشر على أن بوصلة الاقتصاد العالمية تتجه شرقاً، كما ستسهم بقية منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة تصل إلى 25 % من النمو العالمي، أي أن أكثر من 70 % من النمو الاقتصادي العالمي سيأتي من الشرق، متسائلاً معاليه: «كيف يمكن أن تتعاون البشرية للاستفادة من هذا المحرّك الاقتصادي العالمي الجديد الصاعد، بدلاً من مواجهته ومحاولة عرقلته؟».
الذكاء الاصطناعي
وأكد معاليه أن الرقم الثالث يتعلق بتضاعف قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم 1,000 مرة خلال عام واحد فقط، ومجموع المعرفة البشرية كاملة، تم تحميلها في الفضاء الرقمي ونحتاج كبشر ملايين السنين للاطلاع على هذا الكم من المعلومات، ويمتلك نظام «بارد» سرعة معالجة تفوق الدماغ البشري أكثر من 100 ألف مرة، وعلى هذه الوتيرة تتنبأ الدراسات بأن الذكاء الاصطناعي سوف يتولى 70% من المهام في مختلف القطاعات، وستفوق إنتاجيتنا كجنس بشري كل ما كنا نتخيله باستخدام هذه التقنية، وبالرغم من ما يمكن أن يضيفه الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذه التقنية.. هي سلاح ذو حدّين، حيث سيكون «التضليل الإعلامي» وانتشار المعلومات المضللة والمغلوطة أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية.
المصدر