بقلم د.حسام فاروق
وثيقة “مبادئ الخمسين” التى أعلنت عنها قبل أيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وتضم عشرة مبادئ تعد قيما وطنية عظيمة، تعبر فى رأيى عن رؤى طموحة لكل شبر على أرض الاتحاد بإماراته السبع، وترسم خارطة جديدة نحو المئوية فى وطن اختار أن يلغى كلمة مستحيل من قواميسه وتعاملاته.
عشرة مبادئ حددت خيارات وتوجهات وآمال وطموحات الإمارات لنصف قرن قادم راسمة مساراتها السياسية والاقتصادية والتنموية ومنطلقة من منهجية وطنية محددة، ولذلك أكد المبدأ الأول فى الوثيقة على تعزيز الاتحاد الوطنى الذى نشأ مع قيام الدولة الاتحادية عام 1971.
بقراءة دقيقة لمبادئ “وثيقة الخمسين” العشرة التى وجه بها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، واعتمدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يبدو واضحا مدى حرص قيادة الإمارات على التمسك بما أرساه الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه، فيما يخص مكانة شعبه على خارطة اهتمامات الدولة، فكان العنوان العريض الذى كتبه وأرساه الشيخ زايد وحافظ عليه أبناؤه من بعده هو “حياة أفضل” لشعب الاتحاد وجميع من يقيم فى دولة الإمارات عبر إرساء منظومة من القيم الأخلاقية القائمة على التسامح والتعايش بين البشر تدعمها تشريعات وقوانين وضوابط، كلها تعلى التجربة الإماراتية فى التعامل مع الإنسان، بمبادئ الخير والعطاء ومد يد العون لكل محتاج حول العالم، فلم ترفع الإمارات يوما أياديها البيضاء عن الإنسان عبر العالم بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه، وهى نفسها المبادئ التى نشأت مع الآباء المؤسسين للدولة الوطنية الاتحادية وهو ما يمكن أن نطلق عليه الدبلوماسية الاقتصادية القائمة على التسامح والتعايش ومساعدة الغير أينما كان من منظور أخلاقى، ما انعكس على درجة الوعى لدى الإماراتيين الذين انشغلوا فى تحقيق غايات أسمى، بنبل وعطاء يحلمون و”يكونون كما يشاءون” فى ظل دولة تسخر جميع مواردها من أجل مجتمع يحلم ويحقق الحلم، دولة تحول التحديات إلى فرص للابتكار والإبداع.
عززت الثقة الدولية فى الاقتصاد الإماراتى كأحد أبرز الاقتصادات فى المنطقة، الدور الحيوى الذى لعبته الإمارات فى العقود الماضية وهو ما جعلها وهى تعلن عن هذه الوثيقة تضع فى اعتبارها كيف تستفيد من هذه الثقة الدولية عبر مشاريع تعزز من ديناميكة اقتصادها وتنوع مصادر دخلها، ولذلك جاء المبدأ الثالث فى الوثيقة واضحا بأن السياسة الخارجية ستبقى مهمتها الرئيسية ضمان أعلى معايير الأمن والاستقرار السياسى، لضمان اقتصاد آمن وخدمة حياة الأفراد، فقطعت الإمارات بطموحاتها وتنافسيتها وريادتها وسياساتها وانفتاحها، وكل قيمها، مشوار محترم نحو المقاييس العالمية وأصبح لديها اقتصاد يتمتع بأعلى معايير التنافسية، وهو ما يؤهلها لتصبح عاصمة للاقتصاد الجديد، فى ظل ترسيخها لبيئة تشريعية داعمة للأعمال وامتلاكها بنية تحتية متفوقة بمواقع استراتيجية و40 منطقة للتجارة الحرة وخدمات لوجستية متقدمة، وعمالة على أعلى مستوى من التأهيل والكفاءة، ووجود نظام ضريبى بتعريفات منخفضة وعدم وجود ضريبة على الدخل، هذا إلى جانب إقرار التملك الكامل للشركات من قبل الأجانب، ومنح التأشيرات الذهبية.
طوال السنوات الماضية لم تجلس الإمارات أبدا على مقعد المتفرجين لترى التطور العلمى والتكنولوجى وهو يجتاح العالم وإنما قررت الانخراط فيه والمشاركة الفاعلة والتعلم والاستزادة والاستفادة بدعم ومساندة مباشرة من القيادة الرشيدة للدولة، ولذلك نجد المبادئ العشرة وقد تضمنت ما يفيد استيعاب النقلات الحضارية للمجتمعات، فوضعت التفوق الرقمى ضمن أهم المستهدفات الوطنية مع التأكيد على أنه لا بديل عن التفوق فى هذا المجال، مع ضرورة الاستفادة من السمعة الدولية وتوسيعها بإطلاق شراكات عابرة للقارات سعيا نحو وصول الإمارات لأن تكون عاصمة للعالم الرقمى، وفى سياق السعى نحو هذا الهدف تستمر الإمارات فى الريادة التقنية والعلمية، وتحقق قفزات واضحة، بشهادات دولية ومن ثم كان للتعليم وتطويره نصيب داخل المبادئ العشر باعتباره من المستهدفات الوطنية، فاستثمرت الإمارات فى التعليم ونجحت وأنتجت كوادر وطنية صعدت بها للفضاء وشاركت بها فى التكنولوجيا الرقمية، وها هى الإمارات الآن تفتح الأبواب لاستقطاب أعلى الكفاءات العلمية للاستفادة من أحدث تطورات العلم ومخرجاته.
باعتبارى أتردد كثيرا على الإمارات ولى فيها صداقات متعددة لاسيما على الصعيد الأكاديمى أرى أن أهم عوامل قوة الإمارات القادمة، أنها فى وقت قصير أصبحت رقما معتبرا يعتد به فى قطاعات المستقبل الحيوية، مثل الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة وهو ما يفتح فى تصورى أفقا لا نهائية أمام الاستثمارات الضخمة، ويمنح فرصا أعتقد أنها ستغير شكل ومسيرة التنمية المتواصلة فى الإمارات خلال الخمسين سنة القادمة.
فى خطواتها المتسارعة نحو العالم وفى ظل تسليط الضوء على التجربة الإماراتية فى التنمية وبذكاء شديد فى اقتناص الفرص نجد الإمارات وقد أطلقت مبادرة جديدة عبر حملة “الإمارات العالمية المتحدة”، لتواكب حقبة الخمسين عاما المقبلة، بطموحات وتطلعات متجددة تهدف إلى توحيد الجهود وتسريعها لتحويل الإمارات إلى منطقة جذب جديدة للمواهب والخبراء ورجال الأعمال والاستثمارات والشركات الكبرى من كل أنحاء العالم، وفى انفتاحها على الآخر أيضا تؤكد وثيقة الخمسين على دعم الإمارات لأسس السلام والاستقرار فى العالم وهو ما يعكس حرصها على تطوير علاقات إقليمية جيدة وإيجابية وفاعلة إلى جانب دعم مبادئ حسن الجوار كأساس للاستقرار وترسيخ السمعة العالمية لدولة الإمارات.
أكثر وأهم ما يلفت النظر فى مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة نحو مزيد من التطور لصالح للأجيال القادمة هو قدرتها على العبور للمستقبل بخطى ثابتة وعزم وإرادة كبيرين، مستنيرة بفكر ورؤية قيادة جعلت شغلها الشاغل هو الوطن، فيريد قادة الإمارات أن يكون وطنهم دائما فى المقدمة ولا بديل عن الأولوية لتواصل تصدرها المؤشرات العالمية فى جميع المجالات ومن ثم لا يتوقفون عن بث روح التحدى والإصرار والإيجابية فى نفوس الإماراتيين، بل ويحولون التحديات إلى مكاسب وتتواصل مسيرتهم بجهد وتعب وتفانى وطموح يرتكز على الحاضر ويرمق المستقبل وفق خطط منضبطة ومدروسة ورؤى استشرافية ثاقبة تستفيد من العلم وتحاكى التجارب الناجحة فى العالم، وفى كل ذلك جعلت الإمارات من الإنسان غايتها وأساس نهضتها وازدهارها وهو ما انعكس تقريبا فى المبادئ العشر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فالمحرك المستقبلى الرئيس للنمو فى الإمارات الآن هو رأس المال البشرى والرهان على الإنسان كان ومازال الغاية والأولوية لدولة الإمارات وقيادتها الرشيدة.
على مدى نصف قرن من الزمان كانت ولاتزال غاية دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة هى الإنسان الذى اعتبرته أعز وأغلى ما تملك وهدفها الأول ومحور تطلعاتها التنموية والاقتصادية، فمنذ قيام دولة الاتحاد على يد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كان المواطن الإماراتى وسعادته ورفاهيته أولوية قصوى لكل مؤسسات الدولة وقطاعاتها وانعكس ذلك على مدار السنوات الخمسين فى تشريعات تؤسس وترسخ لهذه الأهداف نتج عنها منظومة خدمات يعتز بها كل إماراتى بل وكل زائر إلى أرض الإمارات سواء كان مقيما أو حتى فى زيارة عابرة وقد لمست ذلك بنفسى أكثر من مرة فى زيارات عديدة لدولة الإمارات تجولت فيها بين إماراتها السبع.
الإمارات وهى تعلن عن وثيقة الخمسين تؤكد مجددا على أنها ملهمة للعالم فى كيفية تجاوز الصعاب، وتحقيق الإنجازات، بحلول خارج الصندوق، رسالة الإمارات للعالم فى هذه الوثيقة تقول إن المجد دائما لأصحاب الأفكار المبتكرة الذين يخططون وينفذون بسعى لا ينقطع وتعب كبير لبناء مستقبل لا تتدخل فيه الظروف ولا تسانده الحظوظ، مستقبل، ترسمه سياسات وأفكار الأباء وتحققه جهود الأبناء، مستقبل لا تشرق شمسه إلا على المجتهدين أصحاب الإرادة والطموح.