من البوابة الرئيسية لساحة التراث في قلب الشارقة، المطلة على ميناء الشارقة، يعبر الزائر لفعاليات الدورة الـ 18 من “أيام الشارقة التراثية” على أجنحة ومحطات عن يمينه ويساره، فما أن يتجاوز الركن المخصص لكتب التراث الذي يحمل عنوان “واحة القراءة” حتى يجد نفسه أمام حشد من الرجال والشباب المتحلقين حول لوحات خشبية يراقبون رجالاً يحركون أحجاراً على لوح من مربعات الشطرنج المعروفة، إلا أنه ما أن يقترب ويمعن النظر حتى يدرك أن هؤلاء لا يمارسون لعبة الشطرنج، فالحجارة وحركتها مختلفة بالكامل.
اليافطة المعلقة على منصة هذا الركن، تحمل إسم “دامة”، وهذا ما يفسر الكثير لمن يعرف معنى هذا الإسم، وفي الوقت نفسه يثير الكثير من الأسئلة لدى مَن لا يعلم عن هذه اللعبة شيئاً، فما أن تبادر بالسؤال، حتى يأخذك المسؤولون عن هذا الجناح في رحلة يعود عمرها إلى ألف عام، تمر ببلدان أوروبا الغربية وتركيا، لتصل إلى المدن الساحلية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تستعيد قصص البحارة وصائدي اللؤلؤ وما حملوه في رحلاتهم من ثقافات.
صقر محمد، مدير إدارة القطاعات الخارجية في “معهد الشارقة للتراث”، والمنسق العام لبطولة الداما الرابعة في “أيام الشارقة التراثية”، يخبرنا أن هذه اللعبة تعتمد على الذكاء، وتتشابه من حيث المنافسة بين خصمين مع لعبة الشطرنج، إلاّ أن قوانينها وأحجارها مختلفة. واشتهرت في دولة الإمارات منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينات، إلا أن حضورها أخذ بالتراجع حتى كادت تندثر، لهذا التفت “معهد الشارقة للتراث” لها بوصفها واحدة من ملامح الألعاب الشعبية لمنطقة الخليج، وأطلق مجلساً دائماً لها في منطقة “قلب الشارقة”، واستحدث بطولة لهواتها حتى يجمعهم ويعزز من انتشارها من جديد وينقلها إلى الأجيال الجديدة.
ويضيف: “تاريخ اللعبة يعود إلى ما يقارب ألف عام، وتشير بعض الدراسات والوثائق إلى أنها ظهرت في أوروبا، ثم انتشرت في إيطاليا، وتركيا، وبلدان الخليج العربي، ويرتبط انتشارها في الدولة برحلات البحارة قديماً الذين كانوا يمارسونها على الموانئ”.
ويوضح صقر محمد أن المعهد أولى هذه اللعبة اهتماماً كبيراً، فاستقطب مدربين محترفين لها لتعليم الأجيال الجديدة والراغبين في تعلمها، واستحدث لها فرقاً يمكنهم أن يمثلوا الدولة في البطولات التي تقام في الخليج والعالم، مشيراً إلى أن العمل الجاري على إنشاء مجالس للعبة الداما في مدن الإمارة المختلفة، واستقطاب الأجيال الجديدة لها، خاصة وأنها باتت متاحة للعب عبر الهواتف الذكية ويمكن تحميلها من المتاجر الإلكترونية.
يشار إلى أن الداما تجري لها الآن بطولات في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتُلعب على لوحة 8 وحدات طولاً و 8 وحدات عرضاً (أي 64 مربع) مع 12 قطعة لكل جانب.