بعض الشباب يفضلون التواصل المباشر مع الآخرين، ولا يملكون أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيس بوك وتويتر، وهذا في مجتمعنا الحالي يُعد شيئا غير مألوف في ظل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي نعيشها، فهل أصبح هناك اتجاه بين الشباب الأصغر سنا لهجرة وسائل التواصل الاجتماعي؟ أم أن هناك تطبيقات أحدث تجذب المستخدمين؟ وما هي الفوائد النفسية الإيجابية التي تعود على الشباب عند تراجع استخدامهم لمواقع التواصل؟
من المؤكد أن عدم وجود حساب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي الآن يعني أنك لديك المزيد من الوقت لممارسة أشياء كثيرة مفيدة، من بينها مثلا ممارسة الرياضة أو القراءة، اوقضاء وقت الفراغ فيما يفيد، فضلا عن التواصل مع الأسرة، حيث تؤكد الدراسات أن الشباب الذين لا يتفاعلون مع السوشيال ميديا هم أكثر بُعدا عن الضغوطات النفسية، والعمل بكفاءة أكبر بعيدا عن الانتباه المشتت الذي ينتج عن استخدام هذه المنصات، وتكوين علاقات صداقة حقيقية، والوقاية من إضطرابات النوم. لكن في المقابل هناك مزايا يفتقدها المستخدمون نتيجة عدم وجود حسابات لهم على السوشيال ميديا، يفتقدون للقدرة على التواصل مع الآخرين بسهولة، وفقدان القدرة على نشر الأفكار وتبادلها بسهولة، وعدم القدرة على معرفة أخبار المجتمع المحيط بشكل أسرع.
وهناك نماذج كثيرة لهؤلاء الشباب الذين يفضلون البعد عن صداع السوشيال ميديا، حيث تقول دينا محمد، 25 عاما: ليس لدي أي حساب على مواقع التواصل، وهذا بالنسبة لي شيء جيد، لأنني أستيطع أن أعيش حياة هادئة، وأستفيد من وقت فراغي في قراءة الكتب والروايات التي تفيدني جدا، وتنعش ثقافتي، كما أن ذلك يتيح الوقت لي للذهاب للنادي وممارسة هواياتي المفضلة.ومع ذلك فأنا أشعر أحيانا بالعزلة عن الآخرين، وأعرف أخبار صديقاتي بعد فترة طويلة، وأحيانا تفاجئني بعض الصديقات بأنهن تزوجن منذ فترة وأن الدعوة كانت عامة على الفيس بوك!
ويذكر إسلام هشام (33 سنة) أنه لا يملك أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب عدم وجود وقت فراغ لديه، ويضيف: أفضل أن أقدم صورة إيجابية لأولادي بأنه ليس لدي حسابات على هذه المواقع التي مع الأسف أصبحت تستغل بشكل سلبي جدا، خاصة التطبيقات الجديدة مثل التيك توك، فأنا أفضل قضاء الوقت بصحبة الأسرة، وقراءة القرآن الكريم.
أما أمنية يوسف (24 سنة) فتقول: أغلقت حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي منذ خمس سنوات، ووالدي أقنعني بهذه الخطوة، فالأخبار الحزينة والشائعات المنتشرة على الفيس بوك تسبب الإحباط والحالة النفسية السيئة، لذلك أعتبر قرار ابتعادي عن السوشيال ميديا هو قرار مصيري ومؤثر جدا، فالعالم الافتراضي مليء بالإحباط والضغوطات النفسية.
وفي هذا الإطار، تؤكد الكثير من الدراسات أن السوشيال ميديا تترك أثارا نفسية سلبية لدى المستخدمين، ففي عام 2015 سعى باحثون بمركز “بيو” للدراسات ومقره واشنطن إلى معرفة من الأقل توترا: مستخدمو مواقع التواصل أم غير المستخدمين؟ ووجد الباحثون أن من لا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لديهم مستويات توتر وقلق أقل بكثير من مستخدمي هذه التطبيقات.
ويقول نبيل بهاء الدين، خبير في السوشيال ميديا: إن الفئات الجديدة من الشباب الأصغر سنا والمراهقين لايفضلون مواقع التواصل.ومن المؤكد أن عدم إدمان السوشيال ميديا ينعكس بالإيجاب على الصحة النفسية لدى صغار السن، فالسوشيال ميديا هدفها التواصل الإنسان في الأساس، لكن البعض يسيء استخدامها فتكون منصات لنشر الشائعات والأخبار الحزينة، ومع الأسف الكثيرون يصدقون ما تنشره هذه الشبكات دون تفكير، ويترتب على ذلك حالات كثيرة من الطلاق والانفصال، كما تحدث أيضا مشكلات عديدة بين الشباب المقبل على الزواج أو بين المخطوبين بسببها، ولهذا ننصح بالفعل بتجنب إدمان مواقع التواصل، وألا نستخدمها أكثر من ساعتين يوميا.
ويضيف بهاء الدين، أن الشباب والمراهقين يهجرون الآن مواقع التواصل التطبيقية ويتجهون للتيك توك، ومن المعروف أن التيك توك يقلل الإنتاجية ويغير من سيكولوجية التفكير لدى الإنسان، وبالتالي فمن المتوقع أن ترتفع معدلات الأضرار النفسية والاجتماعية المترتبة على هذه التطبيقات الحديثة.
أما د. أحمد عبدالله، استشاري الطب النفسي، فيقول:إن السوشيال ميديا أصبحت جزءًا رئيسيًا من طبيعة الحياة، وبالتالي فإن الابتعاد عنها بشكل مطلق ليس سهلا، وإن كانت الفئات الجديدة من الشباب الأصغر سنا يفضلون استخدام التطبيقات الأحدث، لكن هناك مؤشرين سلبيين للسوشيال ميديا، وهما: مدة استخدام وهل هناك أنشطة أخرى يمارسها في حياته أم لا. فمن المؤسف أن السوشيال ميديا أصبحت بديلا لأنشطة أخرى مهمة كما أصبح لها الأولوية في حياة الإنسان، مع العلم أننا بحاجة لممارسة هذه الأنشطة كالرياضة والقراءة والصلاة والجلوس مع الأسرة والأنشطة التطوعية، ومن ثم فإن الأقل استخداما لهذه التطبيقات هم الأكثر قدرة على القيام بالأنشطة المفيدة في حياتهم.