بنماذج من مخزون مقتنياته التي تشكل متحفاً فريداً من نوعه.. يستقبل المواطن الإماراتي سعيد أحمد الخشري زوار المتحف الذي يقام ضمن جناح دائرة شؤون الضواحي والقرى في الشارقة، في الدورة الـ18 من أيام الشارقة التراثية، التي تقام في قلب الشارقة حتى 10 إبريل المقبل.
تبعث المقتنيات المعروضة الحنين المقسوم على أجيال مختلفة، تبعاً لارتباط كل قطعة بزمنها، فالذين ولدوا في السبعينيات سيعثرون على أقلام التلوين القديمة وبعض ألعاب طفولتهم، من المفرقعات إلى منظار الحرمين، تلك القطعة السحرية التي يوضع بداخلها شريط يحوي صوراً فلمية مصغرة، تتحول إلى مشاهد مكبرة، ويمكن تبديلها بتحريك القرص داخل المنظار.
على هذا المنوال، تتحول مقتنيات سعيد الخشري في ذاكرة زوار متحفه، إلى منظار مكبّر للماضي، يحوي مشاهد لا تخلو من الإدهاش، تنقل الزائر إلى زوايا من ذاكرته، من خلال عرض أغلفة الكراسات والكتب المدرسية وحقائب الطلاب التي كانت تستعمل في عقود سابقة، مروراً بالتحولات التي طرأت على شكل الهاتف التقليدي، وأجهزة التسجيل، والعملات، وساعات المنبه العتيقة، وحقائب الملابس المصنوعة من ألواح الزنك، والملونة برسوم شعبية لا يمكن رؤية خطوطها إلا على تلك الحقائب الصلبة.
تتجول عين الزائر بين علب الحلوى القديمة، مروراً بزجاجات المشروبات الغازية التي مرت بأطوار وماركات انقرض بعضها أو اكتسب هيئة جديدة، لكن شكل الزجاجات القديمة ولون المشروب الغازي بداخلها لا يزال كافياً لإثارة الحنين لدى كل من ارتشفوا في صغرهم من تلك العبوات، دون أن يخطر على بال أحد أنه سيشاهد مثلها، وهنا يحقق المتحف وظيفته الجمالية والإنسانية، من خلال إيقاظ الدهشة في وجدان الزوار.
الأم التي أسست بذرة المتحف
يحتفظ سعيد الخشري بكنز متحفه الثمين في أجنحة واسعة بمنزله في دبا الحصن، فيما مثلت أيام الشارقة التراثية فرصة لتعانق مقتنياته حنين الجمهور وترسم الدهشة في عيونهم. يجلس متأملاً انطباعات زوار المتحف عن بعد، يدعهم يتجولون مسحورين بين المعروضات القادمة من الزمن الجميل، وعندما يلمح تساؤلاً أو قدراً من الحنين في نظرات هذا الزائر أو ذاك، لا يتردد في تكرار التعريف بتاريخ المقتنيات، مع الإشارة إلى خلفيات هوايته التي أثمرت جمع قطع تراثية من أساسيات الحياة في البيت والمطبخ، إلى جانب عملات وحقائب وأجهزة ترمز إلى عقود خلت.
لكن مهمة الاحتفاظ بمثل هذه المقتنيات النادرة، لا تغري إلا من كانت لديه الرغبة والموهبة في استشراف ما الذي يستحق الاحتفاظ به دون سواه. وأول ما شغل بال ابن دبا الحصن كان جمع العملات القديمة، وبالفعل صارت لها مساحة بين جدران متحفه. ولا يتوقف الأمر على عملة الإمارات، فهناك عملات أخرى قديمة من الكويت والبحرين وعُمان.
عند مشاهدة الزائر لبعض أجهزة الفونوغراف والمسجلات، يكشف الخشري عن توثيقه لعدد كبير من الأسطوانات التي تحوي أغان قديمة تعود إلى الثلاثينيات من القرن الماضي وما بعدها. كما يؤرخ من خلال مجموعة من الأسطوانات لألوان من الغناء الشعبي في الجزيرة العربية، إلى جانب التوثيق للمراحل التي مرت بها تقنيات التسجيل، من الأسطوانة إلى أشرطة الكاسيت، وبينهما مرحلة جهاز الكاترج وأشرطته التي تختلف عن الكاسيت بكبر حجمها.
من أجواء المقتنيات أيضاً، يلمح الزائر بعض الأبواب الخشبية العتيقة والنوافذ، والسجاجيد التي تزين الجدران، مع لوحات أخرى تميل إلى استدعاء فن الكولاج بحس شعبي لا يخلو من استدعاء الرموز والأساطير. فيما تنتصب ماكينة خياطة قديمة في إحدى الزوايا، ولا تزال محتفظة بصندوقها الخشبي، وتكاد رائحة القماش الذي مر من تحت إبرتها أن تعم المكان، وتحيل إلى سنوات كفاح الأمهات وتعبهن.
لا يفقد الخشري حماسه، ولا يمل من شرح تاريخ كل قطعة معروضه. وفي إجابته حول الحافز الذي قاده إلى التعلق بتحفه ومواصلة جمعها وحفظها، قال إنه اكتسب هذه الميول من والدته، التي زرعت فيه منذ الطفولة مبدأ عدم التفريط بالأشياء مهما كانت قيمتها متواضعة في زمنها، لأنها تكتسب مع مرور الوقت أهميتها وعراقتها، وتنسج حميميتها في الذاكرة الجمعية.