أكد تقرير لوكالة «بلومبرغ» أن دبي نجحت من خلال تأشيرات الإقامة الذهبية في الحفاظ على الزخم القوي، الذي يشهده قطاع المكاتب وتحدي الركود العالمي، الذي يشهده هذا القطاع عالمياً.
وقال التقرير إنه خلال ذروة الجائحة عالمياً واجهت دبي، كما العالم كله، تحديات كبيرة، لتقرر حينها اتخاذ سلسلة من الإجراءات، التي ساعدت الإمارة لاحقاً في تجنب أزمة العقارات التجارية، التي تنتشر في جميع أنحاء العالم.
كانت دولة الإمارات أدخلت الكثير من التطويرات على النموذج الاقتصادي القائم منذ عقود، ووسعت الحكومة نطاق التسهيلات للحصول على تأشيرات «الإقامة الذهبية» طويلة الأجل، وألغت شرط أن يكون لدى الشركات شريك محلي يملك الأغلبية، وتحولت الدولة إلى أسبوع عمل من الاثنين إلى الجمعة.
ونجحت حزمة من السياسات في مساعدة دبي على ترسيخ موقعها كوجهة المغتربين، وتشجيع الكثير منهم على إنشاء أعمال تجارية، ومن الواضح أن ذلك قد أتى بثماره.
ورداً على أسئلة «بلومبرغ»، حصلت الوكالة على بيانات تتعلق بالأداء خلال العام الماضي، وكشفت عن حجم التحول الكبير، فقد كان لدى دبي 411.80 ألف رخصة تجارية نشطة في عام 2023، وهذا يمثل قفزة بنسبة 30% عن مستويات 2022، وزيادة بنسبة 75% عن عام 2021. وفي وقت سابق من هذا الشهر قال مركز دبي المالي العالمي: «إن عدد الكيانات المسجلة هناك ارتفع بنسبة 26% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق إلى أكثر من 5500. توظف المنطقة الحرة الآن حوالي 41600 شخص – بزيادة قدرها 15%».
مستويات قياسية
ويتجلى التأثير بشكل أوضح في سوق العقارات التجارية في الإمارة، فقد وصل معدل الإشغال إلى مستويات قياسية على النقيض من تراجع الطلب في مدن أخرى، بما في ذلك لندن ونيويورك. وفي الحي المالي بدبي المعروف باسم مركز دبي المالي العالمي فإن المساحات المكتبية نادرة ولا تزال الإيجارات في ارتفاع.
وأبرز برج في مركز الأعمال معروض للبيع، ويمكن أن تصل قيمته إلى 1.5 مليار دولار. يعد هذا العقار في مركز دبي المالي العالمي من بين أفضل أصول بروكفيلد أداء على مستوى العالم في الوقت، الذي تضررت فيه الأصول الأخرى- بما في ذلك في لوس أنجليس وكناري وارف في لندن- من انخفاض الإشغال.
وقال براثيوشا جورابو، رئيس قسم الأبحاث والاستشارات في شركة العقارات كوشمان آند ويكفيلد كور: «السوق بعيدة تماماً عن الاتجاهات السلبية التي نراها في جميع أنحاء العالم»، «وبينما لا تزال الكثير من الأسواق الغربية تعمل على مزيج هجين أو تعمل من نموذج منزلي، نجد هنا زيادة في الطلب ويعود الجميع تقريباً إلى مكاتبهم».
حرية اقتصادية
ومن المؤكد أن عدداً من العوامل الخارجية عززت أيضاً عدد الوافدين، فقد انتقل المصرفيون من آسيا هرباً من عمليات الإغلاق، وتدفق مستثمرو العملات المشفرة، جنباً إلى جنب مع الهنود الأثرياء، الذين يبحثون عن منزل ثانٍ، وكذلك الشباب الباحثون عن عمل من أوروبا والشرق الأوسط الأوسع، ومكنت الإجراءات الحكومية الوافدين من إنشاء أعمال تجارية.
وقال ريان بول، وهو كبير محللي شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة راين نيتورك لاستشارات المخاطر: «عندما تؤخذ التغييرات التي تم إجراؤها بشكل كلي فهي مهمة».
وبصرف النظر عن ازدهار العقارات التجارية فإن علامات التدفق واضحة في أماكن أخرى، وتطول قوائم الانتظار للمدارس والنوادي، بينما تكون الطرق الرئيسية مزدحمة بشكل روتيني. وأعلنت الحكومة عن مشروع للنقل العام بتكلفة خمسة مليارات دولار، ويتوقع صناع السياسات أن يرتفع عدد سكان دبي إلى 5.8 ملايين نسمة في 2040 من أكثر من 3.5 ملايين حالياً.
عقارات سكنية
وتقترب أسعار العقارات السكنية من أرقام قياسية، وارتفع متوسط الإيجارات السنوية للفلل إلى ما يقرب من 88500 دولار. في العام الماضي اصطف المشترون لشراء منازل بقيمة 5 ملايين دولار، وباع أحد المطورين منازل بقيمة 844 مليون دولار في ساعات، وفي النهاية تضاعفت مبيعات المنازل، التي تبلغ قيمتها 25 مليون دولار أو أكثر في عام 2023. ولقد قلبت القواعد الجديدة سوق العقارات في دبي بطرق أخرى، ويمثل المستخدمون النهائيون الآن 44% من مشتريات العقارات، مقارنة بـ 29% في عام 2019، وفقاً لشركة الوساطة العقارية «بيتر هومز».
ويعد اللندني جيك رسول واحداً من آلاف المغتربين، الذين يتطلعون إلى شراء منزل في دبي، وكان قد انتقل إلى دبي قبل عقد من الزمن، وفي مايو 2022، وبتشجيع من تسهيلات التأشيرات، التي أدخلتها الحكومة، افتتح شركة استشارات مالية، وقال: «رأيت نوعاً ما فرصة واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لتأسيس شركتي الخاصة، مشيراً إلى أن المرونة فيما يتعلق بالتأشيرات هي بالتأكيد عامل كبير». ويرى صناع السياسات في جميع أنحاء الشرق الأوسط أن الصناعات القائمة على المعرفة هي المستقبل، وقد دأبوا على ضخ الثروة النفطية في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة. ولجذب الأشخاص المناسبين لمثل هذه الوظائف عملت الحكومة على توفير آفاق طويلة المدى، وهو حجر الأساس في عملية صنع القرار للمديرين التنفيذيين. وتضمن التأشيرات الذهبية ذلك إلى كبير.
ومن جانبه يخطط رسول لجعل دبي موطناً له على مدى العقد المقبل على الأقل، وقال: «هناك المزيد من الناس يأتون إلى هنا للعيش لفترة طويلة».
الثروة النفطية
ويعود جزء من عامل الجذب إلى الثروة النفطية الهائلة في الشرق الأوسط، وقد دفع ذلك عدداً من الشركات المتعددة الجنسيات إلى التفكير في التوسع في المنطقة.
وقال ناثان جاتلاند، مدير شركة أوبن هب، إن شركته تساعد الآن في إنشاء حوالي 80 شركة شهرياً في المتوسط، مقارنة بحوالي 25 رخصة تجارية شهرياً في العام السابق، وذلك على الرغم من قرار فرض ضريبة على الشركات.
وأضاف: «كنت أعتقد أن ضريبة الشركات سيكون لها تأثير سلبي، لكننا رأينا شركات أكبر تأتي إلى هنا بسبب إمكانات السوق، وعندما ينقلون الموظفين إلى هنا فإن ذلك يفتح سوقاً جديدة تماماً، حيث يوجد الكثير من صافي الدخل المرتفع»، والأفراد الجديرون بالانتقال إليه.
وأوضح أن هناك حاجة إلى إنشاء برامج تقاعد وخطط تأمين صحي للسماح للمقيمين بالتقاعد في المدينة، وفقاً لرينيه ماكجوان، الرئيس التنفيذي لمنطقة الهند والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة مارش ماكلينان.
المصدر