قفزت أسعار السيارات المستعملة الصغيرة بنسبة تصل إلى 40%، منذ أكتوبر الماضي، كما ارتفع حجم المبيعات لدى المعارض في دبي وشمال الإمارات بنسبة تصل إلى 50%، وخصوصاً على المركبات الخاصة من الفئات الصغيرة 4 سلندر، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، وتراجع حجم المعروض في السوق، وتأخر التسليم في وكالات السيارات بسبب تداعيات مصنعية ولوجستية عالمية.
وأكد تجار ومستثمرون في تجارة السيارات المستعملة، أن الطلب على السيارات الخفيفة شهد قفزة غير متوقعة، بسبب ارتفاع أسعار الوقود، إذ يفضل المتعاملون اقتناء السيارات اليابانية والكورية، نظراً لمتانتها واقتصاديتها في استهلاك الوقود، حتى إن الأسواق المحلية باتت اليوم تعاني شحاً في السيارات المستعملة من الفئات الخفيفة بسبب حجم الطلب.
وأوضحوا أن الأسعار ارتفعت بنسبة تراوح بين 20 و40%، بحسب نوع السيارة وجودتها، مبينين أن السيارة التي تصل إلى أرض المعرض يتم بيعها خلال ساعات من عرضها على منصات التواصل الاجتماعي.
إقبال على «الصغيرة»
وأشاروا إلى أن السيارات المستعملة من الفئات الكبيرة 6 و8 سلندر مثل: نيسان بترول وتويوتا لاندكروزر وبي أم دبليو ومرسيدس، بالإضافة إلى السيارات الأمريكية الكبيرة، تراجعت أسعارها بنسبة تراوح بين 20 و40%، فضلاً عن أن الطلب عليها شبه متوقف على المتسويين المحلي والدولي.
ولفتوا إلى أن تصدير السيارات المستعملة إلى دول الجوار مثل العراق ومصر وليبيا، ومن جديد لبنان، عزز حركة السوق التجاري على السيارات الخفيفة، انعكاساً لارتفاع أسعار الوقود على مستوى عالمي، موضحين أن تصدير السيارات الكبيرة لدول مجاورة تراجع نسبياً.
وأضافوا أن أغلب المواطنين في مناطق شمال الإمارات، وخصوصاً رأس الخيمة وأم القيوين والفجيرة، يعملون في إمارات أخرى، لذا تتطلب طبيعة عملهم قطع مسافات كبيرة أسبوعياً، الأمر الذي يستدعي تغييرهم مركباتهم لتخفيف الأعباء المالية في الإنفاق على الوقود.
تأخر الجديد
إلى ذلك، أكد صاحب معرض كواترو للسيارات في سوق العوير بدبي زياد أبوخضرا، ارتفاع أسعار السيارات المستعملة في السوق المحلي بنسب تراوح بين 15 و20%، مرجعاً السبب إلى النقص الحاصل بالسيارات الجديدة في الوكالات، نتيجة تعطل سلاسل الإمداد من المصانع الأصلية، والنقص الحاصل أيضاً في الرقائق الإلكترونية، مؤكداً أن هذه الارتفاعات لا تقتصر على السوق المحلي فقط، بل تشكل ظاهرة عالمية.
وتابع أبوخضرا، أن الارتفاع في أسعار السيارات المستعملة لم يستثنِ الجديدة أيضاً، وبالذات تلك التي يتم حجزها من الوكالات وتكون موديل 2022، أو السيارات موديل 2018 و2019 و2020 و2021، وخصوصاً الرنج روفر والمرسيدس، فالأسعار ترتفع من 800 ألف إلى مليون درهم بحسب الموديل واللون.
نقص كبير
بدوره، قال مدير معرض كاربون للسيارات المستعملة في سوق العوير بدبي، راج نيندال، إن الطلب كبير جداً على السيارات المستعملة، وهذا الأمر بدأ منذ عام 2021، ويبدو أن النقص الحاصل في السيارات الجديدة في السوق هو المسبب الرئيسي للارتفاعات التي يشهدها السوق، والتي وصلت إلى نسبة 30%.
وتابع نيندال، أن السيارات القديمة 5 سنوات حتى موديل 2022، هي التي شهدت الطلب الأعلى، لافتاً إلى أن وكالة تويوتا كانت تستقبل 1000 سيارة مثلاً في السنة، لكنها لا تستقبل أكثر من 400 سيارة، فبطبيعة الحال سيتجه جزء كبير من المتعاملين نحو السيارات المستعملة، وما أن يصبح هناك طلب ويقل العرض ترتفع الأسعار.
عبء مالي
وقال المواطن سعيد الكتبي من رأس الخيمة، إنه بصدد شراء سيارة صغيرة بسعة 4 سلندر، للتنقل الخارجي والداخلي، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الوقود، حيث تصل كلفة تعبئة سيارته الحالية من نوع تويوتا لاند كروزر 8 سلندر، إلى نحو 6000 درهم شهرياً، وهذه قيمة تشكل عبئاً مالياً عليه منذ عدة أشهر.
ولفت إلى أن الخيارات متنوعة في السوق، إلا أنه يفضل السيارات الصغيرة اليابانية أو الكورية، نظراً لمتانتها واقتصاديتها في استهلاك الوقود، مبيناً أن لجوءه لشراء سيارة مستعملة صغيرة أمر أساسي في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار على القطع والوقود.
بدوره، ابتاع المواطن سالم الراعي سيارة نيسان ألتيما 4 سلندر مستعملة، ليستخدمها بدلاً من سيارته الـ«جي إم سي» 8 سلندر، التي أصبحت تشكل عبئاً مالياً كبيراً عليه، نظراً لحجم إنفاقه عليها من الوقود، إذ تصل كلفة إنفاقه على الوقود إلى نحو 8000 درهم شهرياً، بحكم تنقله لمسافات طويلة، كونه يعمل في إمارة أبوظبي.
ولفت إلى أن استخدامه لسيارة من فئة 4 سلندر، وفر عليه ما يراوح بين 6000 و7000 درهم شهرياً، مضيفاً أن ارتفاع أسعار الوقود شكل سبباً رئيسياً للتفكير في نوع السيارة ومواصفاتها لاستخدامها في التنقل.
شح المعروض
بدوره، تفاجأ المقيم هيثم السطري- من سكان إمارة الشارقة- من ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بنسبة تتتجاوز 30% عندما قرر شراء واحدة صغيرة للاستعمال العائلي، مبيناً أن السيارة التي كانت بسعر 15 ألف درهم سابقاً، أصبحت اليوم تباع مقابل 22 ألف درهم.
وأشار إلى أنه بحث في جميع الأسواق في مناطق شمال الإمارات ودبي، ولم يجد ما يريده، ليتضح أن سوق السيارات المستعملة وصل إلى مرحلة شح في المعروض.
من جهته، حدد رئيس مجموعة عمل تجارة السيارات المستعملة في غرفة تجارة وصناعة دبي، سعيد بالرقاد الكتبي، 3 أسباب رئيسية للارتفاع الذي تشهده أسعار السيارات المستعملة في الدولة الذي يصل إلى 25% بالمتوسط، تتمثل في النقص الكبير في المعروض المحلي للسيارات الجديدة في الوكالات، توجه فئة من الأفراد لحجز السيارات الجديدة 2022 ومن ثم بيعها بأسعار مبالغ فيها، ودخول الأفراد غير المرخصين في التجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المنصات الإلكترونية وتحكمهم بجزء كبير من السوق مقابل التجار.
منع غير المرخصين
وطالب الكتبي الجهات التنظيمية في الدولة، متمثلة بالدوائر الاقتصادية المحلية أو وزارة الاقتصاد، بتنظيم تجارة السيارات المستعملة ومنع الأفراد غير المرخصين من دخول القطاع، فلا يعقل أن شخصاً لديه كراج خاص به أو فيلا إلى جانب حساب على إنستغرام أو يعرض إعلاناته على المنصات الرقمية مثل دوبيزل، يروج لسيارات مستعملة بأسعار مرتفعة، آخذاً دور التجار الحقيقيين، الذين يتكلفون الكهرباء والماء والإيجار والموقع والموظفين والضرائب.
ولفت إلى أنه تحدث إلى دائرة التنمية والسياحة بدبي بهذا الخصوص وطالبهم بإرسال رسالة إلى موقع دوبيزل بالتحديد، داعياً إلى منع التجار غير المرخصين من عرض سياراتهم على هذه المنصة ذات الشعبية العالية، وأن يقتصر ذلك على التاجر النظامي كما طالب الدائرة بمنع الأفراد من ممارسة نشاط بيع وشراء السيارات المستعملة إلا بعد الحصول على ترخيص ليكون هناك توازن في التكاليف بين التاجر والفرد، لافتاً إلى أن الدائرة أقرت بالخلل الحاصل، ونحن بانتظار التدخل بشكل فاعل خلال الفترة المقبلة.
وأضاف الكتبي أن البعض اليوم يحصل على رخصة تاجر فقط ثم يمارس النشاط، علماً بأنها تكلف الشخص 1200 درهم سنوياً، وهذا أمر غير معقول، فيجب أن يكون الترخيص مماثلاً لما لدى التجار، وألا يسمح لأي شخص بممارسة نشاط بيع السيارات المستعملة إلا بعد الحصول على ترخيص.
تأخير الشحنات
وفيما يتعلق بنقص المعروض في الوكالات بالنسبة للسيارات الجديدة، قال الكتبي إن المشكلة الرئيسية ليست في تكاليف الشحن التي يمكن تحملها، لكن في التأخير الحاصل بوصول الشحنات، فمثلاً الشحنة كانت تصل من ألمانيا إلى الإمارات خلال 27 يومياً تحتاج اليوم إلى أكثر من 3 أشهر، فضلاً عن المشكلات الكبيرة التي تواجهها المصانع حول العالم فيما يتعلق بنقص الشرائح الإلكترونية.
وأضاف الكتبي، أن بعض الأفراد اليوم ممن يمتلكون النقد يحجزون السيارات من الوكالات مسبقاً، ليس بهدف قيادتها واستخدامها الشخصي، بل بهدف المتاجرة فقط، فمثلاً مرسيدس التي تعد الأولى في السوق، خصوصاً موديل جي كلاس 360 ذات اللون الأزرق تباع بالوكالة بسعر 850 ألف درهم، لكن اليوم لن تحصل عليها بموديل 2022 وبلون أزرق بأقل من مليون و150 ألف درهم، وهذا ينطبق على جميع الألوان الأخرى، فأسعارها تراوح بين 950 ألفاً و1.05 مليون درهم.
وذكر الكتبي، أن تويوتا التي تعد من السيارات الشعبية في الدولة، وخاصة موديل لاند كروزر تباع في الوكالة بسعر 356 ألف درهم موديل 2022، لكنها تباع في السوق بسعر 440 ألف درهم، حتى سيارات لكزس موديل x570 سنة 2022 تباع في الوكالة بسعر 500 ألف درهم، لكنها معروضة في السوق بسعر يصل إلى 800 ألف درهم، وللعلم فإن الوكالة التي كان يصل لها مثلاً 1000 سيارة في السنة لا يصل إليها اليوم أكثر من 200 سيارة، ولنا أن نتخيل حجم النقص الحاصل في السوق.