شهدت صناعة الهواتف الذكية تباطؤاً في الابتكار خلال السنوات الأربع الأخيرة، فمنذ طرح الهواتف الذكية القابلة للطي على صعيد تجاري في عام 2019، تعاني سوق الهواتف من تكرار في المشهد، حيث تكاد معظم طرازات الهواتف التي يتم طرحها أن تكون متطابقة، وهذا الأمر ينطبق على مختلف الشركات المنتجة للهواتف.
والمنحى الثابت غير المتجدد الذي تسلكه صناعة الهواتف حالياً، يعتبر معضلة “قاتلة”، فغياب الجرأة في الابتكار، وعدم تقديم شكل جديد ومثير في عالم التكنولوجيا المحمولة، سيؤدي إلى مزيد من التباطؤ في مبيعات الهواتف خلال السنوات المقبلة، وذلك مع ميل المستهلكين للاحتفاظ بهواتفهم القديمة لفترة أطول، ما دامت تصاميم الطرازات الجديدة لم تتغيّر.
ما أسباب 21 شهراً متتالياً من التراجع؟
وتعاني سوق الهواتف الذكية من تراجع في المبيعات منذ 21 شهراً متتالياً، حيث انخفضت المبيعات في عام 2022 بنسبة 12 بالمئة، إلى 1.2 مليار هاتف، ليستمر هذا التراجع في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، ويسجل نسبة تفوق الـ 8 بالمئة على صعيد سنوي، مع بيع نحو 820 مليون هاتف، وذلك وفقاً لما أظهرته بيانات كافة الشركات المتخصصة في أبحاث السوق.
والتراجع الحالي في مبيعات الهواتف الذكية الذي بدأ في عام 2022، هو ناجم عن عدة أسباب، منها التباطؤ الاقتصادي العالمي، مع رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية على السوق، إضافة إلى عدم وجود تغييرات كبيرة في الطرازات تحث المستخدمين على استبدال هواتفهم.
تغييرات ستقلب المشهد
ولكن يبدو أن عالم الهواتف الذكية، يستعد للانتقال إلى مرحلة جديدة كلياً مليئة بالابتكارات، التي تتجاوز في تطورها، الإيقاع الذي كان سائداً في هذه الصناعة، منذ نشأتها، حيث كشفت شركة CCS Insight في تقريرها عن أهم التوقعات التقنية لعام 2024 وما بعده، أن صانعي الهواتف الذكية، سيبدأون وخلال 5 سنوات من الآن، في إنتاج هواتف مزودة بشاشات، تمتلك القدرة على إصلاح نفسها بنفسها.
وبحسب CCS Insight فإن الطريقة التي يمكن أن تعمل بها شاشة الهاتف ذاتية الإصلاح، هي من خلال دمج “طبقة نانو” على سطح الشاشة، حيث إنه وفي حال تعرّضها لخدش ما، تخلق هذه الطبقة مادة جديدة تملأ الخدش.
ما هي طبقة النانو وكيف تعمل؟
ويكشف الكاتب والمحلل المختص بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ألان القارح، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن طبقة النانو التي تحدث عنها تقرير CCS Insight، معروفة أيضاً باسم “طلاء النانو” أو “طلاء السيراميك”، وهي تقنية ليست بجديدة ويتم استخدامها على نطاق واسع، في عدة قطاعات أبرزها صناعة السيارات والطائرات، حيث يتم طلاء هيكل السيارة أو الطائرة بهذه المادة، ما يجعلها مقاومة للخدوش والأوساخ والماء والزيوت، وعاكسة للحرارة ومضادة للتآكل، مشيراً إلى أن “طبقة النانو” تحتوي على كبسولات صغيرة، قادرة على التمدد في حال حدوث أي خدش.
وبحسب القارح فإن “طبقة النانو“، مؤلفة من مادة تعتمد على الكربيدات والنيتريدات والبوريدات وأكاسيد المعادن الانتقالية وعناصر أخرى، وهي تعمل بطريقة غير مرئية على إعادة تصحيح نفسها، حيث إن وصول هذه التقنية لشاشة الهواتف سينقل الصناعة بكاملها إلى مرحلة جديدة من الإبتكارات، قد تمتد لتشمل هيكل الهاتف، خصوصاً أن “طبقة النانو” أظهرت نتائج مؤكدة في تحسين مقاومة التآكل ورفع المتانة، مقارنة بالطلاءات التقليدية، مشيراً إلى أن حصول هذا التحول يتوقف على مدى قدرة الشركات، على دمج “طبقة النانو” بنجاح في شاشات الهواتف.
عدم المبالغة في التوقعات
وشدد على وجوب عدم الذهاب بعيداً في التوقعات، لناحية قدرة شاشات الهواتف على إصلاح الخدوش ذاتياً، فالمقصود هنا ليس تعرّض الشاشة للتحطم بشكل كامل أو لخدوش من خلال ضربات سكين مثلاً، بل إن الأمر يتعلق بالخدوش المتوسطة والطفيفة، إذ تقوم تقنية النانو، بالحد الأدنى من الإصلاحات التجميلية من تلقاء نفسها، وذلك حتى يتمكن المستخدم من استخدام الجهاز مرة أخرى، لافتاً إلى أن الكثير من شركات الهواتف، روجّت خلال السنوات السابقة لتكنولوجيا شاشات الهواتف الذكية، التي تصلح نفسها ذاتياً، ولكن أحداً لم يستطع طرح هذه التقنية على نطاق تجاري واسع، بسبب العوائق التصنيعية التي كانت تظهر والتي حالت دون نجاحها على أرض الواقع.
تجارب فاشلة
من جهتها تقول أخصائية التقنية دادي جعجع، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن شركة إل جي، اعتمدت تقنية الإصلاح الذاتي في بعض هواتفها الذكية منذ عام 2013، ولكن تلك التقنية لم تكن فعالة بطريقة مثالية، إذ كانت تتعلق فقط بالخدوش الطفيفة جداً، في حين قدمت موتورولا في عام 2017 براءة اختراع لشاشة، تقوم بإصلاح نفسها عند التشقق، لتستمر براءات الاختراع المتعلقة بهذه التقنية في الظهور، لتشمل سامسونغ وآبل، ولكن دون القدرة على طرح المنتجات المتعقلة بها، شارحةً أن شركات الهواتف تحتاج إلى الكثير من عمليات الاستثمار في البحث والتطوير، لضمان قدرتها على طرح وتسويق منتجات، تصلح ذاتها بشكل يرضي تطلعات المستخدمين، إذ أن أي خطأ في ادعاء تحقيق هذا الاختراق دون المستوى المطلوب، سيعرِّض أي شركة لانتقادات قاسية، تجعلها تفقد ثقة المستخدمين.
وترى جعجع أن توقعات تقرير CCS Insight، تأتي في السياق الطبيعي لمجريات الأمور، فجميع الدلائل تشير إلى أن القدرة على طرح هواتف بشاشات تصلح نفسها ذاتياً، ستكون أمراً ممكناً في عام 2028، معتبرةً أن العالم اليوم، بات بحاجة إلى تقنيات مرنة، تطيل دورة حياة الهاتف، عن طريق تقليل الأضرار التي يتعرض لها، نتيجة الاحتكاكات، كاشفةً أن الطلاءات ذات البنية “النانوية”، تملك عدداً من الخصائص والسمات الجذابة، التي ولّدت اهتماماً كبيراً في القطاعات العسكرية والصناعية.
يجدد نفسه بنفسه
وتكشف جعجع أنه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت الهواتف المحمولة مجرد أدوات بسيطة للتواصل، وظيفتها الأساسية إجراء المكالمات، وإرسال رسائل نصية قصيرة، وفي عام 2007 حدث التغيير المنتظر وانقلبت الأمور، تحديداً مع ظهور الأيفون، لافتةً إلى أن العالم يترقّب اليوم العصر الجديد من ابتكارات الهواتف الذكية، التي ستضيف لمسة فريدة إلى هذه الأجهزة، حيث يبدو أن مادة “النانو” ستحدث الانقلاب المقبل في عالم الهواتف، من خلال توفير تصميم مبتكر، يجدد نفسه بنفسه عند التعرض للسقوط، حيث إن نجاح هذه التقنية على شاشات الهواتف، قد ينسحب أيضاً على كامل هيكل الهاتف، فالمستقبل يحمل الكثير من التطورات المتعلقة بعالم التكنولوجيا المحمولة.