ويقدّم النظام الجديد أداءً موازياً لأداء أذكى طلّاب الرياضيات في المرحلة الثانوية ويتمتّع بقوّة أكبر بكثير من النظام المتطوّر الذي سبقه.
منطق الرياضيات
تشكّل الهندسة، والرياضيات بشكلٍ عام، تحدياً لباحثي الذكاء الاصطناعي. وفي دراسة نُشرت أخيراً في دورية «نيتشر» حول هذا الشأن، يُعيد ثانغ وانغ، الباحث المشارك فيها، هذا الأمر إلى قلّة البيانات التدريبية في مجال الرياضيات، وكثرة استخدام الرموز فيها، ودقّة مجالاتها.
يحتاج حلّ المسائل الرياضية إلى التفكير المنطقي، وهي المهارة الضعيفة لدى معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويرى وانغ أنّ هذه الحاجة إلى التفكير المنطقي هي التي تجعل من الرياضيات معياراً لقياس تقدّم الذكاء الاصطناعي.
يجمع «ألفا جيومتري» AlphaGeometry، نظام «ديب مايند» الجديد، نموذجاً لغوياً مع نوعٍ من الذكاء الاصطناعي يُسمّى المحرّك الرمزي، يستخدم الرموز والقواعد المنطقية لإجراء الاستنتاجات. وبينما تتفوّق النماذج اللغوية في التعرّف على الأنماط وتوقّع الخطوات المتسلسلة في أي عملية، فإن تفكيرها المنطقي يفتقر إلى الدقّة المطلوبة في حلّ المسائل الرياضية. في المقابل، يعتمد المحرّك الرمزي حصراً على القواعد المنطقية الصارمة التي تتيح له إرشاد النموذج اللغوي لاتخاذ قرارات منطقية.
تعمل هاتان المقاربتان المسؤولتان عن التفكير الإبداعي والتفكير المنطقي، معاً على حلّ المسائل الحسابية المعقّدة. تقترب هذه العملية كثيراً من طريقة تعامل البشر مع المسائل الهندسية، لأنّها تجمع بين فهمهم القائم والتجربة الاستكشافية.
تقول «ديب مايند» إنّها اختبرت «ألفا جيومتري» في 30 مسألة هندسية بنفس مستوى الصعوبة المعتمد في أولمبياد الرياضيات العالمي، مسابقة يشارك فيها أذكى طلّاب الرياضيات في المدارس الثانوية. ونجح النظام الجديد في حلّ 25 مسألة في الوقت المتاح، مقارنةً بعشر عمليات فقط أتمّها نظام الرياضيات السابق الذي طوّره الطالب الصيني وين – تسون وو في عام 1978.
تصف فلوريس فان دوم، أستاذة الرياضيات في جامعة بون، التي لم تشارك في الدراسة، هذه النتائج بالمبهرة، لافتةً إلى أنّها لم تكن تتوقّع هكذا نتائج قبل بضع سنوات.
استكشاف المعارف الرياضية
تقول شركة «ديب مايند» إنّ هذا النظام يستعرض قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير المنطقي واستكشاف المعارف الرياضية الجديدة.
وشرح كووك في. لي، أحد علماء «ديب مايند» المشاركين في الدراسة، في حديث لمجلة «تكنولوجي ريفيو»، أنّ «هذا النظام هو نموذج إضافي يُثْبت كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدنا على تحقيق التقدّم العلمي وتحسين فهمنا للعمليات الكامنة خلف طريقة عمل عالمنا».
عندما يوضع النظام الجديد أمام مسألة هندسية، يستهلّ محاولاته في حلّها بتوليد برهان مستخدماً محرّكه الرمزي المدفوع بالمنطق. وفي حال فشل في حلّها باستخدام المحرّك الرمزي وحده، يبادر النموذج اللغوي إلى إضافة نقطة أو خطّ جديدين على الرسم. تفتح هذه الخطوة المجال أمام احتمالات جديدة ليتابع المحرّك الرمزي بحثه عن برهان. تستمرّ هذه الدورة، ويتابع النموذج اللغوي إضافة العناصر، ويستمرّ المحرّك الرمزي بدوره في اختبار استراتيجيات برهانية جديدة حتّى التوصل إلى حلّ.
ابتكر باحثو «ديب مايند» بياناتهم التدريبية الخاصة لتعويض شحّ البيانات الهندسية المتوفرة وتدريب «ألفا جيومتري». ولّد هؤلاء ما يقارب نصف مليون رسمٍ هندسي عشوائي، ووضعوا الصياغات لنظرياتهم، ونظّموا هذه الصياغات في 100 مليون برهان اصطناعي لتدريب النموذج اللغوي.