شهد اليوم الأول من مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة حول الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة، الذي انطلق اليوم، وينظمه معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر، العديد من الجلسات النقاشية، التي تناولت السياسات الهادفة إلى حماية الأسر في البلدان المتأثرة بالنزاعات، وتأثير انخفاض عدد السكان حول العالم، وتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية.
جمع المؤتمر خبراء وصناع سياسات من جميع أنحاء العالم، الذين التقوا لاستكشاف الاتجاهات العالمية الكبرى التي تؤثر على الأسرة، إلى جانب البحث في السياسات والبرامج التي تعزز مكانة الأسرة في المجتمع.
وفي جلسة عقدت بعنوان “حياة ممزقة: الأسرة في ظل الحروب والنزاعات” قالت الدكتورة نور نعيم، المدير التنفيذي لأكاديمية “آي أي مايندز” التي نشأت في غزة وشهدت الحروب ووالدها الدكتور فضل نعيم، وهو طبيب في الصفوف الأولى في المستشفى المعمداني في غزة يعمل حتى هذه اللحظة حتى بعد تعرضه للإصابة عن أنّ “ما يحدث في غزّة هو إبادة للطبقة المتوسطة بشكل مستهدف وإبادة تعليمية مستهدفة، تنسف فكرة ارتباط الأسرة بوطنها لكي ترفض هذه الأسرة وطنها وتهاجر إلى آخر بقاع الأرض”.
وأوضحت أنه حسب ما ينقله لها والدها مباشرة من غزّة، على الرغم من المأساة التي تجري هناك، فإن الترابط الأسري أصبح في أوجه، حيث تتخذ الأسر معًا قرارات النزوح وتقرير مصيرها.
وقالت الدكتورة نور نعيم: “تأتي قوة المجتمع في غزة من الأسر والترابط الأسري القوي جدًا، حيث تنزح الأسر إلى منازل بعضها البعض، دون التمييز بين القريب والغريب، ويعيشون معًا كأنهم أسرة واحدة، فهذه هي القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع في غزّة، عكس ما يحدث دائماً في الحروب، هناك مجتمع مدني تطوعي شبابي داخل الخيم والمشافي لدعم الأسر الفقيرة، والمتطوعين في مجال التمريض”.
أضافت: “حالة التكافل المجتمعي في غزة يجب أن تدرّس في الكتب وعلم الاجتماع في العالم بأسره، والدافع الأساسي لهذا التكافل هو أننا كلنا سواسية تحت الموت في كل لحظة، وليس أمامنا الآن رفاهية البكاء، خيارنا هو التماسك والصبر”.
وفي جلسة أخرى عقدت بعنوان:” التأرجح بين الأسرة والعمل” تحدثت الدكتورة ميمونة خليل آل خليل، الأمين العام لمجلس شؤون الأسرة، المملكة العربية السعودية، عن التحديات والفرص الرئيسية التي تواجه الأسر العاملة في سعيها لتحقيق التوازن بين العمل والأسرة، قائلة:”أثبتت الأبحاث أن ابتعاد الأب والأم لساعات طويلة عن المنزل بسبب العمل، يؤثر على الخصوبة، وسن الزواج، وكذلك معدلات الطلاق. لذا، لا بد من تقديم مبادرات تهدف إلى التأكد من أن النساء نشيطات في القوى العاملة، ولكن التأكد أيضًا من أننا نمارس دور الأبوة والأمومة بشكل جيد.”
وأضافت:” بينما نعمل على تمكين الأسر ونطلب منهم توفير حياة أفضل لأطفالهم، علينا أن نتأكد من أننا ندعمهم أيضًا عندما يتعلق الأمر بمبادرات مختلفة، بما في ذلك العمل المرن، والتربية النشطة التي باتت تشكل تحديًا مع وجود الأدوات الرقمية في أيدي الأطفال. لذا فإننا نعمل الآن على تنظيم ورش العمل والكتب الإرشادية، ووضع أطر للتعلم في مرحلة الطفولة المبكرة، وكذلك السياسات التي تضمن قدرة النساء على العمل من المنزل.”
وتابعت:” نحن نحرص أيضًا على التأكد من أننا بحاجة إلى استمرار النساء في الرضاعة الطبيعية، لبناء علاقة قوية جدًا مع الطفل عندما يولد.”
واختتمت بالقول: “يحتاج أصحاب العمل إلى إدراك أن هذه السياسات ستجعل المرأة العاملة أكثر انتاجية، وراحة وتركيزًا في العمل، كما توفر لها مساحة أكبر للإبداع وبالتالي للمساهمة بشكل أفضل في التنمية الوطنية”.
كذلك، استكشفت جلسة حوارية انعقدت تحت عنوان: “حماية كوكبنا تبدأ من الأسرة” تأثير التغير المناخي على الأسر، مع التركيز بشكل خاص على آثار الهجرة الناجمة عن المناخ، والأمن الغذائي، وندرة المياه، والقلق حول قضايا البيئة.
وخلالها، قالت سعادة السيدة ماهينور أوزدمير جوكتاش، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية في الجمهورية التركية: “إن التغير المناخي ينطوي على تداعيات متعددة الأبعاد. لذا نحن بحاجة إلى التعامل معه وفق مقاربة شاملة”.
أضافت جوكتاش: “لأجل التوصل إلى حلول ناجعة، يبقى الأهم هو تحمل المسؤولية بشكل جماعي، ودعم المؤسسات الحكومية في مختلف البلدان بكوادر بشرية مؤهلة، بالإضافة إلى الدعم المالي اللازم. كما تبقى الحاجة ماسّة لتعزيز التعاون بين مختلف الدول عن طريق تبادل خبراتنا والانخراط في تحالف بيئي من خلال وضع سياسات فعالة ومستدامة تستهدف مواجهة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي”.
من جانبه، سلط الدكتور محمد بهناسي، خبير بيئي أول في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومقره في العاصمة المغربية، الرباط، الضوء على ثلاث ظواهر بيئية مترابطة تؤثر على الأسر تتمثل على التوالي في النزوح الناجم عن المناخ، وانعدام الأمن الغذائي الآخذ في التفاقم بسبب التغير المناخي، وانعدام الأمن بفعل الحروب.
وشدّد على أن “هذه التحديات المترابطة باتت تفضي إلى ما نسميه الهجرة المناخية – أي الهجرة التي ترجع أسبابها إلى قضايا بيئية، وتتضخم أكثر بسبب الإجهاد المائي والفيضانات والتصحر وإزالة الغابات.”
وفي نقاش آخر في جلسات المؤتمر حول تدني معدلات الخصوبة، قال ستيفن شو، عالم ديموغرافيا ورائد في علم البيانات:” أربع من كل خمس نساء لا ينجبن أطفالاً طوال حياتهن كنّا قد رغبن في إنجاب الأطفال وقتٍ ما”.
وأضاف: “الحياة معقدة”، “ليس بعد”، و”لست مستعدة” – هذه هي العبارات التي سمعتها في كل بلد زرته. أعتقد أن المجتمع يحتاج إلى مساعدة النساء على إنجاب الأطفال، حيث تنتظر بعضهن الوقت المناسب وتبحث أخريات عن الزوج المناسب”.
وفي جلسة أخرى عقدت بعنوان:” واقع أوقات الشاشات والأسرة: هل من قسطاس مستقيم؟”، أكدت الدكتورة عبير آل خليفة، رئيس التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر، على أهمية التعاون بين الأسرة والمدرسة لضمان بيئة إيجابية للطلاب فيما يتعلق بالتكنولوجيا، مشيرة إلى التحديات التي يواجهها أولياء الأمور في هذا الخصوص.
وقالت:” “يواجه أولياء الأمور تحديات كثيرة من بينها، فجوة الثقة الرقمية، حيث يُلاحظ أن هناك فرقًا كبيرًا بين أولياء الأمور والأبناء من حيث القدرة على استخدام الوسائل التكنولوجية المختلفة أو المنصات الإلكترونية. ويكمن التحدي الثاني في التوقيت المخصص للشاشة، وكيف يمكن التفرقة بين وقت الشاشة المخصص للتعليم ووقت الترفيه”.
تابعت آل خليفة:” تلعب المدرسة دورًا كبيرًا في تعزيز التعاون مع أولياء الأمور ليصبحوا جزءًا من رحلة الطالب التعليمية، من خلال إشراكهم في الفعاليات التي تهدف إلى توعيتهم بكيفية استخدام الطلاب للتكنولوجيا في المدرسة.” وختمت بالقول: “كما يمكن للمدرسة مساعدة أولياء الأمور في وضع ضوابط لاستخدام التكنولوجيا في المنزل، مما يساعد في تحقيق الهدف المشترك”.
يُنظم المؤتمر بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة كشريك استراتيجي، واللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات في وزارة الخارجية القطرية كشريك تنفيذي، ودعم من إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ومركز مناظرات قطر، الذي أسسته مؤسسة قطر، كشريك شبابي للمؤتمر.
وعلى هامش المؤتمر، تُنظم العديد من الأنشطة الهادفة إلى تعزيز التواصل والحوار، من خلال “نسيج الأسرة” عبر المشاركة في تجربة صناعة أعمال ثقافية وسط بيئة داعمة للتعاون والإبداع، بالإضافة إلى “مجلس الحكمة” الذي يدعو لاستكشاف الصلة المشتركة بين التراث والقضايا المعاصرة، إلى جانب الشاشة التفاعلية المتنقلة، التي تشرح كيفية تنفيذ السياسات الأسرية في أجزاء مختلفة من العالم، وملعب عائلي يضم عناصر تعليمية عملية، و”براحة الأسرة” المصممة خصيصًا للتواصل بين العائلات وقضاء وقت ممتع.
في الوقت نفسه، جمعت هذه المساحة الحيوية في “ركن النقاش” الراغبين بتبادل أطراف الحديث والتعاون، حيث وفّرت للحاضرين فرصة الدخول في مناقشات تفاعلية تحت إشراف مدير حوار أو خبير متمرس، أو الاطلاع على العروض التقديمية وغيرها من العروض الجذابة لشركاء المؤتمر؛ كذلك تضمنت المساحة فعالية “جلسة مع الخبير” التي تقع في المنطقة المخصصة لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، التي وفرت فرصة الحديث مباشرة مع خبراء المعهد، بالإضافة إلى “المجلس الشبابي” برعاية مناظرات قطر، الذي أسسته مؤسسة قطر؛ وبوابة “مناظرات الدوحة”، إحدى مبادرات مؤسسة قطر العالمية التي وفرت منصة للحوار البنّاء بين وجهات نظر عالمية متنوعة وحوار منفتح.