آلات الإيقاع المستخدمة في فنون الأداء التقليدية
تعبر الفنون الأدائية التقليدية في الإمارات العربية المتحدة عن السمات الثقافية والحضارية للمجتمع، إذ تُستخدم كوسيلة للتسلية وإدخال البهجة سواء في الاستقرار أو التنقل، وأثناء العمل، والمناسبات الاجتماعية، والأعياد الدينية والمناسبات الوطنية، وغيرها من الأحداث. وبفضل تنوعها وكثرتها، تُظهر هذه الفنون التعدد الثقافي والاجتماعي في المجتمع الإماراتي، وترتبط بشكل وثيق بالعادات والتقاليد والبيئات والخصائص الجغرافية الفريدة للمنطقة.
لذلك نجد أن البيئة الساحلية قد أفرزت فنوناً تتماشى مع طبيعتها وأنشطة سكانها في الصيد والتجارة وركوب البحر. أما البيئة الصحراوية فقد أبدعت فنوناً تعبر عن حياة سكانها في التنقل والاستقرار، والزراعة، والرعي، والصيد، وكذلك الأمر بالنسبة للبيئة الجبلية وغيرها. ولعل أبرز ما يميز هذه الفنون هو تعبيرها عن تفاعل أبناء الإمارات مع هذه البيئات، مما أضفى على الحياة جمالاً خاصاً، إضافة إلى أنها أثرت المشهد الثقافي بالكلمة المعبرة، واللحن الجميل، والحركات الأدائية المتناغمة.
وهذه الفنون الأدائية قد تلاقت مع الأدوات والآلات الموسيقية والإيقاعية التي أبدعتها الأجيال الإماراتية عبر العصور، لتنتج عروضاً فنية متزامنة وجذابة تدمج بين الكلمة، واللحن، والأداء في كل مكون متكامل.
الدف (الطار)
من أشهر الآلات الإيقاعية الموسيقية في الإمارات العربية المتحدة، وهو آلة إيقاع تُصنع محلياً بتكلفة منخفضة بسبب توفر المواد الخام اللازمة لتصنيعه. ويُعدّ أيضاً من الآلات التي تحظى بإقبال من قِبَل أفراد الفرق الفنية التقليدية المحلية، ويُستَخدَم في مناسبات اجتماعية ووطنية ودينية متنوعة.
يتكون من إطار خشبي يُشد عليه من جهة واحدة قطعة من جلد الماعز الرقيق بعد تنظيفه جيداً من الشحوم والأوساخ، ومن ثم تثبيتها وخياطتها بحبال قوية بإحكام. كلما كان الجلد مشدوداً بإحكام، يكون الإيقاع رناناً ويُطلق عليه “صقال”، في حين إذا كان الجلد مرتخياً يكون الإيقاع غليظاً ويُسمى “دُم”. وأحياناً تُضاف أطراف نحاسية صغيرة إلى الدف لتعطي رنيناً جميلاً أثناء النقر عليه.
تتطلب صناعة الدفوف التقليدية مهارات متخصصة تشمل تشكيل إطار خشبي، وتنظيف جلد الماعز الرقيق من الدهون والشوائب، ثم تثبيته أو شده بإحكام على أحد وجهي الدف. تنتشر هذه الصناعة في المناطق الشهيرة بصناعة آلات الإيقاع التي تُستخدم في الفنون الأدائية التقليدية بالإمارات.
طبل الشحوح
يُعتبر طبل الشحوح واحداً من الأدوات الإيقاعية الرئيسية لدى قبيلة الشحوح في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتطلب فن العزف عليها مهارات عالية في الضرب عليها باستخدام الكف، ويُقدِّم الموسيقى الأساسية للإيقاعات المختلفة للمقاطع اللحنية التي تُقام عليها عروض الأداء التقليدية.
يُصنع عادةً من خشب شجرة السدر أو شجرة القرط، إلا أن الخشب المفضل هو خشب السدر، إلى جانب الخشب، يستخدم في صناعته أيضًا جلد التيس (ذكر الماعز) لتغطية الوجه الأول للطبل، وجلد العنزة (أنثى الماعز) لتغطية الوجه الثاني، حيث يكون لونه أبيض. كما تُستخدم خيوط من شعر الغنم أو الماعز، تُربط بعيِدان مثبتة على جدار الطبل وتُدعى “أشخرية”.
يتم استخدام طبل الشحوح في أداء “الرواح” عن طريق النقر عليه بالكف. ويُستخدم مصطلح “لعب” عند قبيلة الشحوح وبعض سكان الإمارات العربية المتحدة لوصف هذا النوع من العروض، ولذلك يُقال “لعبة الرواح”. ويُعتقد أن سبب التسمية يعود إلى القرع على الطبل براحة اليد في هذه اللعبة، أو لاستخدام فن الرواح في الترفيه والتسلية. ومن خلال هذا الفن الذي يعتمد على النقر على الطبل بالكف، يُنتج نوعان من الإيقاع: الأول يُطلق عليه “نقشة”، والثاني يُعرف بـ “مجاملة”.
طبل الشيندو (الزنك)
هو طبل كبير الحجم مقارنة بالطبول الأخرى المستخدمة في الفنون التقليدية، وشكله أسطواني ويرتكز على أرجل. يُشد على الجانب العلوي منه جلد من جلود البقر ليمنحه إيقاعًا غليظًا وقويًا، حيث يتم تثبيت الجلد بالخشب بما يُعرف بـ “السجاجة” وجمعها “السجاجات”، وهي أعواد صغيرة من الخشب القوي تُغرز في الجلد والخشب معًا، مع الشد المستمر للجلد حتى يكتمل غرز السجاجات بشكل حلقات دائرية، ثم يُربط بالحبال المتينة ويُدهن الجلد بالشحم “الودج”. يتميز طبل الشيندو بصوت غليظ وقوي، ولذلك تحرص فرق الفنون التقليدية في الدولة على تدريب الشباب على صنعه والعزف عليه، وحمايته من أشعة الشمس والرطوبة.
يُصنع طبل الشيندو من خشب “السيسم” أو “الساج” السميك، وقد شهدت المواد الخام المستخدمة في صناعته تطورات ملحوظة. ففي الماضي، كانت هذه المواد تُستورد من الخارج، ولكنها أصبحت الآن متوفرة في ورش النجارة المحلية. أما الجلود، فبدلاً من غمرها في الملح والرماد لفترات طويلة كما كان يحدث سابقاً، تُجمع الآن من المقاصب المنتشرة في أنحاء البلاد، وتُخزن في الثلاجات للحفاظ على طراوتها وجاهزيتها للاستخدام.
يتطلب صنع طبل الشيندو مهارات فائقة، خاصة تلك المرتبطة بنحت الخشب، وشد جلد البقر بعد تنظيفه من الشعر والدهون الزائدة بالسكين، وربطه بالحبال، ثم دهنه بالشحم. كما يتطلب مهارة في الأداء لإصدار صوت غليظ وقوي. كل هذه المهارات يتم نقلها من جيل إلى جيل، من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد.
طبل الرحماني
يُعدّ طبل الرحماني واحداً من آلات الإيقاع التي تُستعمل في الفنون الاستعراضية الإماراتية، وخاصة في فن العيالة البدوية الذي يُقام في الأفراح والعديد من المناسبات الاجتماعية والوطنية.
يعرف أحياناً بـ”الدمام”، نسبةً إلى إيقاعه القوي والعميق “دُم.. دُم.. دُم”، ولذلك يطلق عليه أيضاً: إيقاع الدم. هذا النوع من الطبول الإيقاعية ذو شكل أسطواني، وحجمه معروف، حيث يتراوح طوله بين 70 و90 سم تقريباً، وله فتحتان جانبيتان دائريتان، قطر كل منهما حوالي 40 سم. قديماً كانت صناعته تستغرق عدة أيام بسبب الحاجة إلى استيراد المواد الخام التي تدخل في صناعته، مثل الأخشاب والجلود، ومن ثم تنظيفها بأدوات تقليدية، مثل دفن الجلود في الرمال للتخلص من رائحتها وما علق بها من أوساخ. أما اليوم فلا تتطلب صناعته أكثر من أسبوع أو عشرة أيام، بفضل توافر المواد الخام ووجود أدوات تسهل عمليات التنظيف والتصنيع. وتجدر الإشارة إلى أن صناعة هذا النوع من الطبول تزدهر في فصل الصيف بسبب الحاجة إلى حرارة الشمس أثناء شد الحبال وغيرها من متطلبات التصنيع.
طبل الرحماني المستخدم في عروض أداء الحربية والهبان والليوا والدان والمديمة
هو يشبه الأنواع الأخرى من طبول الرحماني في طريقة التصنيع والشكل العام، لكنه يتميز بنوع الجلد المستخدم فيه، حيث يُستخدم جلد الماعز. كما يتميز بإيقاعات «رنين» متنوعة تناسب كل نوع من فنون الأداء المستخدم فيها. إضافة إلى ذلك، فإنه أصغر حجماً من طبل الرحماني «التخمير» ويُضرب عليه باليد لإنتاج إيقاعات مميزة لكل فن، على عكس طبل «التخمير» الذي يُضرب بالعصا.
وهنا يجب التنويه إلى أن بعض الفنون الأدائية السابقة تستلزم استخدام عدة طبول من هذا النوع، فعلى سبيل المثال، يشارك في فن الهبان من 8 إلى 10 أشخاص، حيث يحمل كل واحد منهم هذا الطبل لتحقيق اللحن والإيقاع المميزين لهذا الفن.
يُستخدم هذا النوع من الطبول في فن العيالة البحرية الشائع في كل أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة. ويتشابه في شكله العام والمواد الخام المستخدمة في صنعه مع طبل الرحماني الذي يُستخدم في فن العيالة البرية. ومع ذلك، فإنه يُصنع بأحجام مختلفة، وبمقاسات أصغر نسبياً مقارنة بغيره من الطبول. كما يتميز بما يُعرف بإيقاع الرنة أو “الإيقاع الناعم” ووجود طوق من الخيزران أو الحديد في الوجه العلوي والسفلي منه لتثبيت الجلد وشده بإحكام.
ويُستخدم طبل الرأس كأداة رئيسية في هذا الفن. في الماضي، كان يُصنع من خشب السيسم أو النقرس أو الساي/الساج المجوف، وهي أخشاب مستوردة. أما الآن، فيتم تصنيعه من مادة الفايبر الخفيفة، مما يجعله خفيف الوزن ويسهل على العازف حمله والعزف عليه بسهولة.
ويمتلك الحرفيون المهرة في صنع هذه الآلات، مثل غيرها من آلات الإيقاع المستخدمة في الفنون التقليدية، المعرفة والخبرة الكافية لتحضير المواد الأولية وتشكيلها بالشكل المطلوب.
طبل الكاسر
هو نوع من الطبول يُستخدم في فنون الليوا، الهبان، والدان. هذا الطبل له شكل أسطواني مشابه لطبل الرحماني لكن بحجم أصغر، حيث يتراوح طوله بين 40 و50 سم. يتميز الطبل بفتحتين، واحدة في الأعلى والأخرى في الأسفل، قطر كل منهما حوالي 35 سم. يُغطى كل فتحة بجلد الغنم بعد تنظيفه من الشحوم والمواد العالقة بشكل جيد. لضمان جودته، يتم شد الجلد باستخدام طوق من الخيزران أو الحديد، وثم يتم ربط الطوقين معاً حول محيط الطبل بواسطة الحبال.
عادةً ما يُصنع الكاسر بأحجام مختلفة بواسطة حرفيين مهرة للغاية، وتبرز أهميته بصورة خاصة خلال المناسبات التي تتضمن عروض الفنون التقليدية، مثل الأفراح والمعارض والمهرجانات. يُعد من أبرز الآلات التي تنقل حركة الإيقاعيين بين الجانبين، حيث يُستخدم لتغيير اتجاه العصا وكسر الرتابة في الإيقاعات، مما يُحدث ما يُعرف بـ “الكسرة”، وهذا هو سبب تسميته بـ “الكاسر”.
الطنبورة
فن النوبان، المعروف أيضاً باسم “فن الطنبورة”، يعد من الفنون الأدائية الأفريقية التي وصلت إلى الإمارات العربية المتحدة عبر رحلات التجارة. يجمع هذا الفن بين الغناء والأداء الحركي الإيقاعي الجماعي، حيث تشارك فيه النساء إلى جانب الرجال، مع مرافقة فرقة من قارعي الطبول، وعازف آلة الطنبورة، وشخص آخر يسمى “راقص المنيور”.
المنيور هو نوع من الأحزمة القماشية بعرض حوالي 40 – 50 سم، تُثبّت فيها أظافر الأغنام أو الماعز المجففة عادةً. هذه الأظافر تصدر صوتاً قوياً وفريداً عندما يحرك الراقص خصره. في أغلب الأحيان، يبقى الراقص واقفاً في مكانه بينما يحرك خصره، مما يساعد المنيور على إنتاج أصوات بإيقاعات خاصة تساهم في المحافظة على وحدة الإيقاع العام.
يُعرف فن النوبان بهذا الاسم في دولة الإمارات العربية المتحدة نسبتاً إلى موطنه الأصلي في “منطقة النوبة” الواقعة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان. كما يُطلق عليه أيضاً “فن الطنبورة” نسبة إلى آلة الإيقاع “الطنبورة” المستخدمة فيه. ويرتبط استخدام فن الطنبورة ببعض الطقوس والمعتقدات الشعبية القديمة.
وتُعَدّ صناعة طبول النوبان من الصناعات الموسيقية الهامة في الإمارات العربية المتحدة، حيث تنتشر في عدة مناطق. تتطلب هذه الصناعة مهارات خاصة في اختيار المواد الخام وتشكيلها حسب المواصفات المطلوبة لهذه الطبول. إضافةً إلى ذلك، تتطلب مهارات في صناعة حزام القماش المستخدم في “المنيور” وتثبيت أظافر الغنم أو الماعز عليه.
الطوس (الصاجات)
من الآلات الإيقاعية التي تُستخدم في عروض العيالة البرية والبحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يتم استخدام الحجم المتوسط منها في هذه الفنون، يتم تصنيع الطوس من مادة النحاس ويُستورد جاهزاً من الهند. يُستخدم ببراعة خلال العروض التقليدية، حيث تصدر منه أصوات تشبه رنين الجرس.
البيب (الباتو)
هو عبارة عن صفيحة معدنية فارغة يتم الضرب عليها بعصا بعد تنظيفها وصقلها، وذلك لضبط وحدة الإيقاع، وتستخدم كأداة من أدوات الإيقاع في الفنون التقليدية بدولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة في فن الليوا. تتعلق المهارات المطلوبة لاستخدام هذه الآلة بالإيقاع الناتج عن الضرب عليها بعصاتين.
ختاماً
تُجسّد آلات الإيقاع المستخدمة في الفنون الأدائية التقليدية في الإمارات العربية المتحدة ثراء التراث الثقافي والتنوع الجغرافي والاجتماعي للدولة. هذه الآلات ليست مجرد أدوات موسيقية، بل هي رموز حية للتقاليد والممارسات التي تجمع بين الماضي والحاضر، وتروي قصصاً عميقة عن الهوية الإماراتية. من الدفوف الرنانة إلى طبول الشحوح الغليظة، ومن الطنبورة الإيقاعية إلى الطوس المعدنية، تحمل كل آلة نغماتها الفريدة التي تعكس روح المجتمع وتطلعاته. ومع كل ضربة على الطبل وكل نغمة من الآلة، يتجدد الوعد بالحفاظ على هذا التراث الأصيل ونقله إلى الأجيال القادمة، ليبقى صدى إيقاعات الإمارات يردد حكاياتها ويحيي تراثها العريق.