“الشارقة الدولي للكتاب” يبحث تأثير عادات وطقوس الكّتاب على المنجز الإبداعي
استضاف ملتقي الأدب في الدورة الـ 36 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، بمركز إكسبو الشارقة، جلسة حوارية لمناقشة تأثير تقاليد وعادات المبدعين على مُنجزهم الأدبي والإبداعي.
شارك في الجلسة كل من الكاتبة والروائية الإماراتية فتحية النمر، والناقد الأكاديمي الدكتور محمد عبدالمطلب، والروائي والشاعر الإماراتي سلطان العميمي، وأدارها القاص الإماراتي محسن سليمان، بحثوا خلالها مدى إمكانية تحول عادات بعض المبدعين إلى ما يشبه الطقوس، التي تترسخ لديهم بالتكرار مع حركة الزمن، كما ناقشت مدى تأثير هذه الطقوس على منجزاتهم الإبداعية.
وبدأ الدكتور محمد عبدالمطلب حديثه بالإشارة إلى أن موضوع الجلسة قد يكون ملتبساً بعض الشئ، مؤكداً أنه من المصادفات الجيدة أن تستضيف الجلسة روائية وشاعر، لتلمُس بعض التقاليد والعادات عند الشعراء والروائيين، والتعرف على انعكاساتها على أعمالهم، مشيراً إلى حرصه في النقد على الفصل بين النص والمبدع، بما لا يُحمّل المبدع مسؤوليات ما في النص من انفعالات وتجاوزات وما إلى ذلك.
وأضاف عبدالمطلب: “بالنظر إلى بعض القراءات في الشعر القديم، نجد تأثُر عدد كبير من الشعراء بما يُحيط بهم من أحداث، فمثلا عندما كنت أقرأ لأمرئ القيس لاحظت أن معظم محبوباته اللاتي كُنّ يردن في نصوصه الشعرية يسبق اسمها كلمة “أم”، وكنت أتساءل لماذا ترتبط هذه الكلمة بمعظم نصوصه الغزلية، وعندما بحثت ونقبت في سيرته الذاتية اكتشفت أنه كان قد فقد أمه منذ الخامسة من عمره، ويبدو أنه كان يبحث عن دفء وحنان الأم في أعماله، وأنا لا أجزم بتأثير مثل هذه الظواهر، لأنها قد تكون ذات ارتباط بجوانب نفسية أكثر من كونها مرتبطة بالتقاليد”.
وأردف عبدالمطلب: “عند الحديث عن عادات وطقوس المبدعين، لابد من التأكيد على أننا في العالم العربي غير مسموح لنا بسرد سيرنا الذاتية الحقيقية، والمتاح هو السيرة الذاتية المنقحة، ومن جانبي لا يمكن أن أقرأ سيرةً ذاتية لكاتب من الكتاب وأبحث عنها في عمله، وفي هذا الصدد لدينا نماذج لمبدعين كثر عندما كتبوا سيرهم الذاتية الحقيقة تعرضوا للمقاطعة الاجتماعية حتى من أهلهم، ومن هؤلاء يمكن ذكر الكاتب المغربي محمد شكري الذي كتب سيرته الذاتية في رواية الخبز الحافي في العام 1972”.
ومن جانبها استعرضت فتحية النمر موضوع الجلسة من منطلق تجربتها الشخصية وقالت: “أرى أن مفهوم الطقوس المراد هنا، هو عبارة عن كم مُركب من العادات المرتبطة بعملية الكتابة، وعندي من العادات ما أقوم بها قبل البدء في الكتابة، وأثنائها وبعدها، وفي العادة أبدأ بالتفكير أولاً فيما أود كتابته وهنا لدي ثلاثة مصادر للأفكار الأول هو الواقع الذي يتمثل في تجاربي الشخصية والتي أتعامل معها بحساسية، فإذا شعرت بالخطورة أحاول الالتفاف حولها لأمارس نوع من التمويه، والمصدر الثاني هو تجارب الآخرين، والثالث هو الإلهام الذي كثيراً ما يأتيني وأنا على سجادة الصلاة”.
وأضافت النمر:” بعد أعمالي الثلاثة الأولى اعتدت أن أضع لنفسي خريطة ذهنية، حيث أجلس في مكان معين في صالة منزلي، على طاولة مستديرة، وأضع عليها مجموعة من الأوراق والأقلام، وأقوم برسم دائرة كبيرة وأكتب في داخلها عنوان العمل الذي يشكل أهمية كبيرة، وعادةً ما اعتمد أول عنوان يخطر ببالي، بعدها أفكر في الشخصيات الرئيسة، حيث لا تستهويني كل الشخصيات، فأميل دائما إلى اختيار الشخصيات الحزينة، أو الشخصيات المأزومة القلقلة، بعدها أقسم العمل إلى نصوص تصل إلى 30 جزء لا أزيد ولا انقص، ومن ثم أكتب مشهدي البداية والخاتمة”.
وأردفت النمر: “بعد ذلك أدخل مرحلة الكتابة التي عادة ما تكون في خلوة، حيث أجلس في مكتبي المطلي باللون الفاتح، فأنا لدي نوعين من الإضاءة، الصفراء واستخدمها عندما أبحث عن فكرة أو أتأمل شيء، أما عندما تتوافر المعطيات أشعل الضوء الأبيض، وأكتب بدون رقيب ذاتي، وأحرص بعد كتابة النص على مراجعته أكثر من أربع مرات حتى يحدث لي شيء من الفتور، لأدفعه إلى التدقيق اللغوي، والذي أخذ بآرائه فقط في الجانب اللغوي، ومن ثم أدفع به للناشر، ولابد من أشير هنا إلى أنني أحب دائماً أن تكون بدايات أعمالي وأنا خارج البلاد فمثلا رواية “النافذة والحجاب” شرعت في كتابتها وأنا في لندن، وكذا الحال بالنسبة لرواية “مكتوب” التي كتبت مسودتها وأنا في أستراليا”.
من جانبه اختلف سلطان العميمي مع نظيريه فيما ذهبا إليه من وجود طقوس ترتبط بالمنجز الإبداعي، لافتاً إلى أن وجهة نظره لا تلغي وجود هذه الظاهرة، فهناك من يرى وجود طقوس خاصة بالكتابة، كما أن هناك طقوس خاصة بالقراءة، ولكني أرى أن طقوس الكتابة تحولت عند بعض الكتاب إلى وهم”.
وأضاف العميمي: “الإبداع عندي غير مرتبط أبداً بالطقوس، فهناك عدد كبير من الكتاب الذين وصلوا إلى العالمية في حين أنهم لم يؤمنوا بطقوس الكتابة، واستطاعوا تقديم أجمل وأروع الأعمال والعكس صحيح، ومن وجهة نظري أرى أن هذه المسألة مرتبطة أكثر بالجانب النفسي لدى بعض الكتاب، حيث هناك طقوس غريبة ذكرت في سير عدد من الكتاب إذا صحت معلوماتها فإنها لا تؤكد إلا على وجود اضطراب لدى الكاتب”.
وأردف العميمي: “يمكن أن نستشهد هنا بالروائي الأمريكي إرنست همنجواي، الحائز على جائزة نوبل للآداب في العام 1954، حيث يُذكر عنه أنه كان يعتلي سطح منزله، منتعلاً حذاءً أكبر من مقاسه، وبيده أوراق وقلم رصاص ليكتب واقفاً، قبل أن ينهي حياته منتحراً فيما بعد، كما يمكن ذكر خوزيه ساراماغو، الذي حصل أيضاً على جائزة نوبل للآداب، فعندما سئل عن الطقوس قال: “أنا شخص طبيعي للغاية لا أُضخم الأشياء، وأصف ظاهرة الطقوس بالمشكلة، ولا أُؤمن بشئ اسمه الإلهام، أؤمن فقط بالعمل والاجتهاد والكتابة”.