قراءة في المجموعة القصصية “ ومن الحب ” للكاتب العماني سعيد بن محمد السيابي، تحت عنوان (تشريح الواقع)
بقلم الكاتبة/ أمينة الزغبي
يقول ميخائيل نعيمة: الكاتب المجيد هو “الذي يري بعيني قلبه مالم يره كل البشر“
هذا ما فعله الكاتب العماني سعيد بن محمد السيابي في مجموعته” ومن الحب“
فقد استطاع الكاتب أن يجسد لنا مشاهد الحياة، ويضعها بين يديالمتلقي في صورة نصوص قصصية قصيرة جداً، قد يصل النصفي بعض الأحيان إلى سطرين فقط..
وكما هو المعتاد، فأول ما يواجه المتلقي هو العنوان، الذي يعتبرنصاً موازياً للمتن، وسنداً للولوج إليه.. وقد جاء العنوان منمفردتين كجملة ناقصة
(ومن الحب) مما أضفي للمتلقي جانب من التشويق، وأتاح لهالفرصة أن يشارك الكاتب في تكملته.. هذا العنوان يمنح المتلقيأفقٍ شاسع للتأويلات، والبحث عن القصد الذي أراده الكاتب بهذاالعنوان..
ونأتي إلى نصوص المجموعة، التي تتميز بما نستطيع أن نطلقعليه التحليل الاجتماعي، وطبيعة العلاقات بين أفراد الأسرةالواحدة، وقد برع الكاتب في تقديم ذلك المعني في نصوص مثل: هزيمة ــ ديكور ــ درس ــ قفل ــ يعدكم ــ المنديل ــ بيتزا عمانية ــحرارة روح ــ صفعة ــ عصفور ـــ كراسي ــ الوقت.. وغيرها الكثير.
وأيضاً علاقة الفرد بالمجتمع المحيط به، والتكافل الاجتماعي مثل:
وهم ــ أبو الانتظار ــ موت سائق أجره ــ يا سفيل ــ وغيرها.
وعلاقة رئيس العمل بمرؤوسيه مثل قصص:
سليط ــ بروفسور وغيرها
كذلك رصد الكاتب فيروس كورونا وما تنج عنه من ألم.. إما للفراق، أو التباعد الأسري.. مثل:
نصوص: رقية ــ فيروس ــ وضوح ــ انتفاخ ــ فخر.
وكذلك محاولة تفسير هذا المرض بشكل خرافي من العامة، وذلك فينص.. رقية..
أيضاً تتطرق الكاتب إلي نقد القديم من العادات والتقاليدالاجتماعية في مجتمعه ــ عمان ــ لأنها أصبحت غير متماشية معالعصر، وذلك في نص (أخر الراقصين)
وهنا يتضح براعة الكاتب في استخدام الرمز والدلالات اللغوية، بطريقة تحترم القديم، وتحث على الجديد، دون تجريح، فنجده يقولفي نهاية النص:
” وحامل الأداة الحادة لم يعد صالحاً للمشي“.
لم يغفل الكاتب العالم العربي بشكل عام، وأهم ما يشغله من قضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي نجح الكاتب في وضعها فيالصدارة، حيث جاء ترتيبها هو الأول في نصوص المجموعة، فينص حمل عنوان (خريطة) يقول الكاتب في النص: ” اتصل الجدُ بابنه مطلع الفجر، شاهد خريطة كبيرة للعالم مفروشة على أرضيةغرفته، وطأها برجله، انتبه إلى أن فلسطين مقطوعة من الخريطة.
أوضح له ابنه: حفيدك سهر الليل كله، ليضع فلسطين في لوحةأعلي الجدار فوق رأسك.
وهنا دلالة لغوية على امتداد القضية عبر الأجيال.
لم يترك الكاتب شاردة، أو واردة في الحياة الاجتماعية إلا وتطرقإليها..
حتى الحياة السياسية من ديمقراطية، ووضع عام عالمي، وتخاذلأمام القضايا الكبرى، واجتماعات عالمية خاوية..
كل هذه المعاني، والأفكار استطاع الكاتب محمد بن سعيد العمانيأن يصيغها للمتلقي في نصوص مكثفة جداً، متخذاً في ذلك المشهدالسينمائي لبلورة نصه، مستنداً في ذلك على الدلالات اللغوية، والصور البلاغية اعتمادا على الرمز، الذي يفسح المجال للكاتبللتعبير والانطلاق دون تجريح.
المجموعة ثرية، ويقال فيها الكثير، ولكن سأختم حديثي بالنصالذي تحمل المجموعة اسمه وهو نص (ومن الحب) الذي استطاعالكاتب فيه أن يثبت قدرته في الكتابة على استخدام الدلالاتالرمزية، وأنسنة الطير، والشجر، ليرسل من خلال هذا النص نداءللجميع يعلن فيه رغبة تعبر عن قيمه وأخلاقه السامية، وفي نفسالوقت.. تؤكد على ما سبق تقديمه وهي:
المبالغة في الاهتمام تخنق الحب.. فمن الحب ما قتل.
