شهدت الأمسية الشعرية الثالثة من مهرجان الشارقة للشعر العربي، الدورة 18 مساء الثلاثاء 7 يناير 2020 حضوراً شعريًا لافتًا، بالشعراء الذين صدحوا بعذب الكلام، فقد شارك كل من: محمد مقدادي، من الأردن، وشهاب غانم، من الإمارات، ومبروك السيّاري، من تونس، ومفرح الشقيقي من السعودية، وإباء الخطيب، من سوريا، وحميد الشمسدي، من المغرب. وحضرها محمد البريكي، مدير بيت الشعر، مدير المهرجان، وجمهور غفير من محبي الشعر، وقدمها الشاعر الدكتور أحمد الحريشي.
قرأ الشاعر محمد مقدادي، مجموعة من القصائد التي توشّحت بالرمز واللغة المسافرة في سماء بعيدة تقتنص من اللحظة صورتها الأنيقة، وهي تمشط شعرها قريبًا من واحات السحر، ومن قصيدته: “خابيةُ الملح”، قرأ:
” تلاشيتُ،
كالظلّ في مرتعِ الشمسِ،
قلبي يحدّثني،
هل أصدّقُهُ بعد هذا الخرابْ؟
هناكَ انحنيتُ،
امتشقتُ دمي وجراحي
على شفةِ النّبعِ،
سنبلةٌ.. مشّطت شعرها،
قربَ جذعٍ عتيقْ”.
أنشد الشاعر شهاب غانم، مجموعة من القصائد التي حملت في نبضها حب الوطن، والوفاء للشهيد، ولامس بعذب مفرداته أرجاء المدن ليلتقط لها صورة مغايرة في مخيلته، ومن قصيدة أهداها إلى سلطان الثقافة قال:
هنا الجوامعُ في أرجائها انْتشرَتْ
يختال فيها بآيِ الحُسْنِ بنيانُ
وها هنا مدنٌ للجامعاتِ بها
يَنداحُ علمٌ وتثقيفٌ وعِرفانُ
بوركتَ، أعطاك ربّي العمرَ أطولَهُ
بمثلكمْ ترتقي في الكونِ أوطانُ
دخلتَ بوّابةَ التاريخِ أوسَعَها
فأنتَ صانعُ أمجادٍ.. وإنْسانُ
وتجلى الشاعر مبروك السياري، بقصيدته التي عرجت بمفرداتها إلى سماء الوجد الصوفي، فاشتعلت الحروف وجدًا حرك نايات الشعور، ومالت قوافيه طربًا مع رقصة الروح المتجلية في محراب الوجد، ومما قرأ:
كُنْتُ فِيهِمْ
وَعَلَى أَفْوَاهِهِمْ تَشْتَعِلُ النَّايَاتُ
وَجْدًا وَضِرَامَا
وَكَمَا أَعْوَادُ كِبْرِيتٍ
رَقَصْنَا
فَكَأَنْ لَمْ نَكُ رِيشًا وَعِظَامَا
مَدَدٌ..
وَاتَّقَدَ الكِبْرِيتُ
لَوْلَا أَنْ وَجَدْنَا النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامَا
واستطاع الشاعر الإعلامي مفرح الشقيقي، بروعة إلقائه وحضوره، أن يشكل من قصيدته لوحة نابضة بالحياة، وتناغم صوته مع أصوات الروح المتوثبة من “الولد الشقي” الذي عرف “شغب المرايا” بالشعر الذي وقف على جدول نهره لينهل من معينه، وممّا قرأ:
أنا الولدُ الشقيُّ فعمّديني
بماءِ الشّعر.. ما ظمئٌ سوايا
سأسترقُ القصيدةَ في غيابي
وأحضرُ قبلما تخبو النوايا
وإنْ سطعَ الكلامُ بغير قلبي
زرعتُ الضوءَ في قلق الحنايا
معي جمرُ السؤال يَجسُّ روحي
ويشعلني إذا خمدتْ رؤايا
سأعبُرُ يا شقاءَ البردِ وَحْدي
وذي ناري ستبتكرُ الحَكايَا
وعلى ضجيج التمني، قرأت إبـــــــــــاء الخطيب، نصوصها وهي تحاول أن تزيح عن دربها الصمت، لتعبر عن قلق يسكن روحها، وهي تبث وجدها لذاتها، ونقيض ذاتها، في محاولة لإشعال الشتاء بجمرة الوجد؛ ومن قصيدتها “وإني على معناي الشفيف” قرأت:
أزيحُ الصمتَ .. لا أفقٌ لروحٍ
يَدقُّ بقاعِـــــها جرسَ الغُموضِ
فيا لَيْتَ الشِّـــــتاءَ أزاحَ عــــنّي
هواجسَهُ.. ولم يَعْبثْ بَرَوْضِي
ويا لَيْتَ الذي أغواكَ عندي
يُعمدّني بطينكَ يا نقيضي
وحضرت قصيدة حميد الشمسدي، متناغمة مع صوته وحضوره، واستطاع أن يعبر بحروفه حدود التلقي، لينثر في دروب الحلم ورد شعره وشعوره، وهو يحثّ خطاه التي يحملها ريحُ الشوق، وكأنها حمام يوزع هديله على المدى، ومما قرأ:
وَجِـئْـنَــا عَــلَــى صَهْــوَةٍ لِلْـمَـــــدَى
تَـطِـيــــرُ بِنَـــا أُمَّـــــةٌ مِــنْ حَــمَـــــــامْ
فَـسِــرْنَــا إِلَــى سِــدْرَةِ الـمُـنْـتَــهَــــى
لِـيَـفْـنَــى القَـصِـيـــدُ وَيَـفْنَـــى الكَــلاَمْ
وَصَـلَّــــى عَلَى الحُبِّ ربُّ الهـَــوَى
وَصَبَّ عَـلَـى الحُـبِّ أَزْكَــى سَــــــلاَمْ
وَصَـبـَّتْ بِــأَرْوَاحِـــنَــــا جَــمْـــــــــرَةً
تُــدَاوِي الـنُّــفُــــوسَ وتُحْـيِـي العِـظَـــامْ
واختتمت الليلة بتوقيع ديوان “ما فوق هذي الأرض” للشخصية العربية المكرّمة في المهرجان، الشاعر إسماعيل زويريق.