مقال رأي لـ سالم عمر سالم، مدير المنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر
كثيرة هي الركائز التي يقوم عليها المشروع الثقافي والحضاري لإمارة الشارقة، إلا أن جميعها يستند على رؤية مركزية واحدة تتبنى الاستثمار بمجتمع المعرفة، والنهوض بصناعة الكتاب، وتعميم الفعل الثقافي بوصفه أساس بناء الفرد والقاعدة التي يمكن الانطلاق منها لتحقيق تطلعات الإمارة وبناء علاقتها مع نظيرتها من مدن وعواصم الثقافة في العالم.
تظهر صناعة النشر والارتقاء بواقع الكتاب المحلي والعربي واحدة من الركائز الأساسية التي تحظى بدعم مباشر من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فهو الذي ظل يؤكد في أكثر من منبر أن النهوض بتجربة صناعة الكتاب ودعم حركة النشر تعد المحرك الرئيسي لمسيرة التنمية الشاملة والمستدامة لإمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة.
يمكن الوقوف عند حجم دعم صناعة النشر الذي تقوده الإمارة في مستويات عديدة، بدءاً من تجربة معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي بات خلال مسيرة طويلة من الإنجازات أحد أكبر ثلاث معارض للكتاب في العالم، ومروراً بالمؤسسات الرسمية والأهلية المعنية برعاية الناشرين وتوسيع سوق الكتاب الإماراتي، واستقطاب الناشرين والكتاب من مختلف أنحاء العالم إلى الإمارة بوصفها عاصمة الكتاب العالمية، ومركز الحراك الثقافي في المنطقة والشرق الأوسط.
ويمتد هذا الجهد القائم لدعم صناعة الكتاب ليصل إلى النموذج الأكثر تفرداً، والذي انطلق بتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، بإنشاء المنطقة الحرة لمدينة الشارقة الحرة للنشر، إذ تجسدت في هذا المشروع الرؤية الكلية للشارقة تجاه صناعة الكتاب، حيث فتحت المدينة الباب أمام ناشري العالم للاستفادة من البنية التحتية والتسهيلات الاستثمارية للإمارة، وعرضت خدمات نوعية غير مسبوقة ليستفيد الناشرون وصنّاع الكتاب من سوق النشر الإماراتي والخليجي والتوسع في سوق النشر العربي الذي يعادل حجمه 260 مليون دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 650 مليون دولار بحلول عام 2030.
بهذه الرؤية تؤكد المنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر على حجم مساهمة الصناعات الثقافية في الناتج المحلي، وتكشف قدرة الكتاب على النهوض بالواقع الاقتصادي لبلدان المنطقة، فالحديث عن النشر في الشارقة يعني الحديث عن حركة استثمارات وأسواق كبيرة، تتجاوز الحديث عن الطباعة، وتسويق الكتاب، وتصل إلى الشحن، والتوزيع، والتخزين والاستفادة من الموانئ والمطارات، ويعني بناء شراكات وأفق تعاون وعمل مشترك مع بلدان ومدن من حول العالم.
يمكن قياس تأثير صناعة النشر التي تقودها الشارقة على اقتصاد المنطقة والعالم، بالنظر إلى الحلول والمبادرات التي طرحتها المنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر خلال الظروف الاستثنائية التي مر بها العالم جراء جائحة كورونا، حيث أثمرت التسهيلات والخطط المدروسة عن استقطاب الكثير من الشركات المتخصصة وناشر لإطلاق أعماله في المدينة، وذلك على الرغم من التحديات المالية التي مر بها الناشرون جراء تأجيل كبرى معارض الكتب، والإغلاقات القصرية لحدود البلدان، وتوقف حركة النقل والسفر، الأمر الذي كان له انعكاس مباشر على صناعة الكتاب في المنطقة خلال العام 2020.
اتخذت مدينة الشارقة للنشر خلال عام الجائحة خطوة نوعية، فتحت من خلالها الأبواب لدخول مختلف الأعمال والتخصصات، وأكدنا في هذه الخطوة على أن قطاع النشر، وعلى الرغم من قيمته المعنوية والوجدانية، سيبقى قطاعاً ذو أبعاد اقتصادية، يدعم بناء شبكة من العلاقات مع القطاعات الأخرى، ويساهم في تنويع الأعمال وتعدد مصادر الدخل وتطوير علاقات التجارية والاستثمارية خارجياً.
إن قراءتنا هذه لمكانة قطاع النشر ودوره، تترجم بوضوح رؤيتنا واستراتيجيتنا لمستقبل “مدينة الشارقة للنشر” وتؤكد أن هذه الرؤية تضع الناشرين العاملين في “المدينة” في مكانة الشركاء وليس العملاء، شركاء في تحديد مسارنا المستقبلي وفي توظيف عوامل نمو أعمالهم، وفي وضع الخطط المرحلية والمستقبلية بما يلائمهم، وبما يحقق النتائج التنموية المتوقعة من انتشار الكتاب وازدهار صناعته.