من أمام جرار فخارية يتجاوز عمرها مائتي عام، يروي الحاج سالم حسن سعيد البيض تاريخ صناعة الفخار في منطقة “شمل” التراثية في إمارة رأس الخيمة، متتبعاً تفاصيل صناعتها وأنواع الأواني التي كان يستخدمها أهالي المنطقة وطرق زخرفتها وتزيينها، عائداً بالزمن إلى ذاكرة عمرها مئات السنين يفاخر أبناء شمل أنهم يقدمونها اليوم أمام الزوار والمشاركين في فعاليات الدورة الـ 18 من “أيام الشارقة التراثية” التي تتواصل حتى العاشر من أبريل في ساحة التراث في قلب الشارقة.
ويشير الحاج سالم -أحد كبار مدينة شَمل- إلى أحد الحرفيين في معرض “الصناعات الفخارية في الإمارات”، ويقول: “بهذه الطريقة كان أهالي شمل يصنعون أواني الطعام وجرار الماء”، حيث يعمل شاب على تشكيل الطين بيديه على لوح خشبي، ويصنع منه قدراً لإعداد الطعام، فيما يجلس خلفه شاب آخر يلون الجرار ويزينها بأشكال هندسية بخطوط حمراء، وصفراء وبيضاء.
ويتابع الحاج سالم رواية حكاية صناعة الفخار في شمل: “نحن أهل جبل ونعرف أرض منطقتنا جيداً، ونعرف أسرارها من الآباء والأجداد، من هنا نعرف كيف نختار التربة الصالحة لعمل الفخار، ونعرف أنواعاً محددة من الصخور لنستخدمها في تزيين مشغولات الفخار، فهناك صخور نصنع منها مسحوقاً ونحولها إلى محلول لنصل إلى اللون الأحمر، وأخرى للون الأصفر، والأبيض”.
ويمر الحاج سالم على المعروضات، مشيراً إلى كل قطعة وكاشفاً عن اسمها واستخدامها وتاريخ صناعتها، فيشير إلى إناء يشبه الكوب التقليدي ولكن من دون ذراع وربما لا يتسع لنصف لتر من الماء، ويقول: هذه اسمها “المد”، وهي ما كان يستخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في الوضوء، مشيراً إلى كمية الماء القليل الذي تستوعبه.
ويتوقف عن جرة كبيرة مزخرفة بدا عليها القدم، ويوضح: هذا يسمى في لهجة أهل الجبل في شمل “خرس” ويستخدم للماء والحليب، وهذه القطعة المعروضة عمرها يتجاوز المئة عام، ولا زال أهالي المنطقة يحتفظون بها ويتناقلونها من جيل إلى جيل، متمسكين بتراثهم وحرفة الآباء والأجداد.
وينتقل من إناء فخاري يشبه المقلاة، ويبيّن أن هذه القطعة تسمى في اللهجة “تاوة”، وهي تستخدم لتحميص القهوة تحديداً، ويشير بقوله: “وهذا الغوري أو المنصب” إلى وعاء يماثل دلة القهوة، موضحاً أنه الإناء الذي يستخدم لإعداد القهوة، مؤكداً أن مذاق المشروبات والمأكولات في الأواني الفخارية مميز ويختلف بصورة واضحة عن ذاك المعد في الأواني المعدنية.
ولا تتوقف سيرة صناعة فخار شمل عند الحاج سالم وإنما تتواصل طوال أيام الحدث، ويتيح معرض “الصناعات الفخارية في الإمارات” أمام الزوار للتعرف عن قرب على آليات صناعة الأواني الفخارية، وكم يلزمها من الوقت حتى تجف، وكيف تحفظ من دون تلف عشرات ومئات السنين، وغيرها من التفاصيل.