نظم بيت الشعر في دائرة الثقافة في الشارقة مساء يوم الثلاثاء 29 يونيو 2021 قراءات شعرية شارك فيها كل من حمد الرحمة والدكتور أكرم قنبس ومهند الشريف وهبة الفقي، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر وعدد من محبي الشعر والثقافة في جو التزم بالإجراءات التي فرضتها جائحة كورونا، وقدمتها الأستاذة أمل المشايخ، التي تحدثت عن دور إمارة الشارقة في الحفاظ على حيوية الشعر واستمرار حضوره رغم الجائحة التي أوقفت الكثير من الأنشطة.
افتتح القراءات الشاعر حمد الرحمة الذي أضاء بمصباح وجده عتمة الليل الذي يرافق القصيدة وهمومها في جو يعلن معه التحدي من أجل كتابة نص شعري يعبر عن خلجات الروح، ومما قرأ من “سادن الليل”:
كونوا هباء لطيفا قد يصير شذىً..
ثم اغفروا ومن الغفران فانتقموا
لأن في الحبر سر غامض ألِقٌ..
إن كَررَ الحرف يوما ناله الألمُ
لا بد من حيرة تنثال أغنية..
لا بد من شطط يبكيه مُصطَلمُ
مزج الغرابة بالحبر الشغوف أسىً..
هو الدواء ليحيى الشعر والقلمُ
وقرأ الرحمة نصاً مفتوحاً على تساؤلات كثيرة، وسماواتٍ مفتوحة، وقلق دائم يرافق الشاعر، ومنه:
تعودتُ أنْ أستثير الغضبْ
مُكيلاً لنقدٍ وتجريح ذاتْ
لأنيَ لا أستسيغ الحوارَ سوى كوسيلة غوصٍ إلى باطنٍ من هلامْ…
يقودُ إلى اللا مكان.. يقودُ إلى اللا زمان..
وألغي وجوديْ…
ولا زلت أسألْ…
أكلٌّ يصيرُ إلى كل شيءٍ..؟
فيحيى ويفنى ويحيى ويفنى؟
ومن ثُمَّ ماذا؟
قرأ الشاعر مهند الشريف قصائد رمزية عالية، مضمخة بالحزن الذي يسكن الذات فيشعل جذوة القصيدة، ومن حزن المدينة قرأ:
هجرته اسراب السنونو
وانتهى حزن المدينة بين عاصفتين والحلم الكبير
سالته خادمة الشتاء
ألم يحن بعد الظهور
فأجاب لا
الحزن غادر قريتي
فعلى المدينة ان تدير الظهر للعشاق
حيث تعود اسراب الجراد
تصطاد اطفال البلاد
وحلق مؤيد إلى سماء أخرى متخيلاً سكنأً مختلفاً ربما يكون أكثر تأثيثاً من سكنٍ يحاصره بضبابية المشهد والخوف من القادم، ومن “أبد السماء” قرأ:
لو كان قبري في السماء
ما كنت أنزل هذه الأرض التي ابتلعت
حصاد الحلم من عشاقها
تركتْهُمُ كلمات تاريخٍ بلا روحٍ ولا مأوى
يحاصرهم ضباب الخوف
حرمان الشتاء
وكأنني قدر الضفاف
لنبتة تنمو على شهد الغيوم وتنحني
لاثنين عاشا يسكبان هواهما
في دفترين بلا غناء
قرأت الشاعرة هبة الفقي مجموعة من النصوص التي تخاطب فيها الموجودات، وتسأل الريح وهي تجمع ذاكرتها وترسم بالوحدة صورة لمستقبل قد ينهمر ضوءه فتقبض عليه، ومن قصيدة “قابضة على الضوء” قالت:
تِـلْـكَ الْحَيــاةُ بِنــا تَــزْدادُ بَهْجَتُها
ولا تَطيـــبُ إِذا لَــمْ نُـدْرِكِ الْعِبَـرا
نَحْنُ اكْتِمالُ الْهَوى في كُلِّ قافِيَــةٍ
نَحْنُ الّلُغاتُ الّتي كَمْ أَنْجَبَتْ شُعَرا
لَيْسَ انْتِصـارًا إذا سُمّيــتَ لي.. رَجُــلا
النَّصْـرُ .. أنْ تَدْخُـلَ الْوِجْدانَ مُنْتَصِــرا
وكما يمارس الشعراء شغبهم مع المعاني، راقصت الشاعرة هبة الفقي قصيدتها على أجفان المجاز التي تفجر قدرات المفردة على التعبير عن مكنونات الروح وخلجات المشاعر، ومن قصيدة “رَقْصٌ عَلى أَجْفانِ الْمَجازِ” قرأت:
لِأَجْلِكَ قَدْ أعْلَنْتُ ثَوْرَةَ أَحْرُفي
وقَلْبي عَلى كُلِّ الْقَواعِدِ ثارا
فَعولُنْ مَفاعيلُنْ .. تَمَرَّدَ لَحْنُها
لِيَتْرُكَ أنْغامَ الْخَليلِ حَيارى
ويَأْخُذَ مِنَ عَيْنَيْكَ .. أنْغامَ سِحْرِهِ
فيُصْبِح رَمْزًا لِلْهَوى وَشِعارا
تَعالَ .. نُذيقُ الشِّعْرَ طَعْمَ وِصالِنا
فَقَدْ صارَ ريقُ الْأُمْنِياتِ قِفارا
واختتم القراءات الشاعر الدكتور أكرم قنبس بلغة شفيفة تلامس الواقع بصور آنية تنقلها بلا تكلف أو مواربة، معلنة عن مواضيع تتعلق بالذات والإنسانية، مثل “حكاية إخوان شمّا” التي يقول فيها:
أَنا يَتيمَةُ أَهْلٍ، لَمْ أَجِدْ سَنداً
فارْبَدَّ عَيْشي صَغاراً فيهِ خِزياني
قالوا لَها: أَبْشِري، هَيَّا ارجِعي، وَغَداً
نَلْقاكِ في الحَيِّ في يُسْرٍ وَتَحنانِ
إِذا رَأَيْتِ خُيولاً زَغْرِدي فَرَحاً
قولي: لَقَدْ جاءَ أَحبابي وَإِخواني
وحلق بقصيدة وجدانية لامست شغاف القلب وهي تسيل بماء الشعر وعنونها “نجوى القصيد لعينيها” ومنها:
مِن الرّموشِ أفاضَ النّورُ، وابتَهلا
وسالَ في وَجْنتيها وَرْدُها خَجلا
لا ليسَ يَكتمُني شوقٌ لِغُرَّتِها
فقد أذابَتْ لَنا في رِمْشِها عَسلا
بِه تعافى فؤادي كُلّما هَمستْ
أهدابُها، أوْ لَنا قد بَرْعَمَتْ أَملا
تهفو لِمُقلتِها روحي مُدندِنَةً
شَذا القصيدِ الّذي أذكيتُهُ غَزَلا
في ختام الأمسية كرم محمد البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.