
إنها مونولوجات غزّة.. في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. دعوة مشاركة أطلقها مسرح «عشتار» في الضفة الغربية.. المادة دسمة للغاية، تجمع بين بساطة التعبير، وعمق الأفكار، وطرح الأسئلة المؤلمة، على مدى ساعتين من الزمان كانت الآذان تُصغي لما كتبه أطفال من غزّة سنة 2010. كانوا بين الـ13 سنة وصولاً لعتبة الـ17 سنة. عبروا كتابة بالعربية المحكية وكلماتهم الفلسطينية، التي ميزها الانسياب والعفوية والصدق. بالحزن والأسى والخوف، وبكثير من روح الفكاهة والسخرية كتبوا. أكثرهم بدا مغرماً وفخوراً بغزّة. ودون مجافاةلواقع البؤس والفقر وحروب الصهاينة، التي لا تتوقف خاصة، الاغتيال باستهداف السيارات.
في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في مسرح المدينة قالت استاذة المسرح والممثلة والمخرجة علية الخالدي إن مؤسسة «فضا» التي أخذت على عاتقها أرشفة المسرح العربي، تلبي نداء مسرح عشتار «بقراءة مونولوجات غزّة في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»، والتي لبّاها الكثير من أهل المسرح في بيروت. وشبّهت الخالدي حال غزّة بنكبة جديدة، كما نكبة 1948. إنما تطور المقاومة زلزل الكيان الصهيوني.
بدا الحاضرون في مسرح المدينة من أهل الفن وغيرهم من الراغبين بالمشاركة، في حال تسابق لتقمُّص كلمات أطفال غزّة ومعايشتها بكل جوارحهم. كان حضورهم لافتاً على المسرح. منهم من غالبه الدمع فتحشرج الصوت وتوقف.. ومنهم من أسكتتهم الغصة فعجزوا عن المتابعة.. فأسعفتهم جرعة ماء.. أو ساندهم تصفيق تضامن وتشجيع للمتابعة من الحضور.
في آلية القراءة كلمات أطفال غزّة وهي بالعشرات، أن يُعلن كل قارئ نص اسمه والمكان الذي ينتمي إليه، ويُعلن اسم الطفل وعمره، والمكان الجغرافي الذي ينتمي إليه في غزّة. لبنانيون من كل لبنان، وفلسطينيون من كافة امكنة الشتات في لبنان، والمنتمين بالجذور إلى كل فلسطين من بحرها إلى نهرها. وفلسطينيون من مخيم اليرموك هجّرتهم الحرب على سوريا إلى لبنان. وبين القارئات جين مقدسي من القدس قرأت نصاً بالإنكليزية. صعدت إلى المسرح متكئة إلى عصاها مرتين. شبان وشابات من غير اهل الفن. وحسن من طهران – إيران. مع الإشارة إلى تعدد النصوص بالفرنسية والإنكليزية.
تبحراً بما كتبه أطفال غزّة من وحي العدوان الطويل الذي عانوا منه مطلع عام 2009 نكتشف أنهم مجتمعون على حب غزّة. واعتبارها أجمل ما في العالم. أحلامهم دون حدود. روح الفكاهة واضحة في غالبية النصوص. بعضهم يمتلك احساساً مرهفا حيال ما يتكبده «الغلابى» في الحروب.. وفي الزلازل.. وفي الأزمات الاقتصادية. وبعضهم يمتلك قدرة قراءة الأنانية التي تسيطر على بعضهم في الأزمات، كالاحتفاظ بكميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية.. عبّروا عن خوفهم من الطائرات الحربية التي تزور القطاع لتنفيذ عمليات اغتيال.. والخوف من كل حرب جديدة.. بعضهم روى وقع الموت على بنيانه الطري.. استشهاد الأخ الأصغر.. استشهاد الصديق.. واستشهاد الأقارب أو الجيران. وكثر حلموا بانهاء الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني. لأطفال غزّة أسماء وتاريخ ميلاد، إنما كلماتهم توحدهم تعبيراً عن أقسى ظروف حياة عبر التاريخ. وهنا بعض مما كتبوه مع الاعتذار من ذكر الفنانين الكبار المشاركين وآخرين من الذين تلو الكلمات تجنباً لنسيان أي اسم.
ـ بحلم أعيش يوم واحد بحرية.. هاد حُلم مش كبير.
ـ أبوي عم يبكي لأول مرّة.. أخوي طارق استشهد.. نايم زي الملاك وكتابه بإيده.
ـ بطّلت غزّة بلد احلامي.. بدي اعمل فن لـ20 شخصا بغزّة؟ نفسي تفيق غزّة وتصرخ خلص.. خلص.. خلصصصصص.
ـ الحرب ع الغلابى.. حتى الزلزال ع الغلابي.
ـ بحلم صير رئيس وزراء.. بعمل ملاعب رياضة.. وبلغي الرسوم في نوادي الرياضة.
ـ قبل الحرب ما كنت موجود.. بعد الحرب بحب البلد وبتنفس هواها.. وبغني وبرقص معاها.
ـ غزّة علبة كبريت ونحنا بقلبها عيدان.
ـ محطات التلفزيون بيدعوا لربهم بحرب عشان يضل عندهم شغل.
ـ نفسي أصير ممثلة.. حرام يخسروا موهبتي.. وإذا ما بدهم بروح ع بلد تاني.
ـ غزّة مليانة حب.. الحب اللي فيها مش موجود بأي مكان في العالم. (كلام لطفلة عادت مع عائلتها من الإمارات العربية).
ـ بحزن ع أطفال فلسطين في أوروبا.. لأن أحلامهم بغير بلدهم.
ـ اجا الليل ومعو الخبط شغّال والسما حمرا وسودا.. ليش العالم كلهم مرتاحين وإحنا بغزّة عايشين محرقة؟
ـ قصفوا نقابة العمّال وطاروا بواب وشبابيك بيتنا.. والدخان عمانا.. وبي ولّع سيكارة.. ناقصنا دخّان؟ اتصل بي بعمي وقالوا بش شباك ما انكسر.. قلو اكسرو.. كسرو.
ـ أنا بعد الحرب أقوى.. ورايحا ع المستقبل بخطوات ثابتة.
ـ صار حلمنا بغزّة نموت موتة حلوة.. بدل عيشة حلوة.
ترى من بقي من هؤلاء الأطفال الذين صاروا شباباً وشابات على قيد الحياة بعد محرقة 49 يوماً من خريف العام 2023؟ وماذا سيضيف الناجون إلى نصوصهم؟ وماذا سيقول الأطفال الذين فازوا بحياتهم، عن عالم وافق لأسابيع على توصيف اهل القطاع بـ»الحيوانات» لتبرير حرقهم؟