أعلنت مصادر عسكرية إسرائيلية مساء، أمس الثلاثاء، بدأت الإنسحاب من مدينة جنين ومخيمها، وذلك بعد عملية عسكرية منذ فجر الإثنين، واوقعت 11 قتيلاً وأكثر من 117 جريحا، وأدى إلى تهجير أكثر من أربعة آلاف فلسطيني وإحداث دمار هائل في المباني والبنية التحتية، فيما عممَّ الإضراب الشامل مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، تضامناً مع جنين ومخيمها، في وقت تواصلت ردود الفعل العربية والدولية المنددة بالاعتداء الإسرائيلي والمطالبة بوقفه.
وترددت أنباء عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة جنديين آخرين في الساعات الأخيرة، علاوة على نسف آلية إسرائيلية أثناء عملية الإنسحاب.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن الجيش قتل الاثنين عشرة فلسطينيين في مخيم جنين، فيما أصيب نحو مئة فلسطيني، عشرون منهم إصاباتهم خطرة، كما قُتل فلسطيني آخر، أمس الثلاثاء، بعد إصابته برصاصة مباشرة في الرأس. وعم الإضراب الشامل، أمس الثلاثاء، مدن الضفة الغربية وتعطلت الحياة فيها آلبية لدعوة وجهتها فصائل فلسطينية احتجاجاً على الهجوم الإسرائيلي المتواصل على جنين.
وصباح أمس الثلاثاء، بدت مدينة جنين خالية ما عدا من دوريات الجيش. وأقفلت المحال التجارية، وانتشرت بقايا إطارات مشتعلة في أماكن متفرقة، وحلقت الطائرات المسيَّرة الإسرائيلية في سمائها. وبين الحين والآخر، يُلقي شبان فلسطينيون الحجارة على الجنود، فيما يتصاعد الدخان جراء الانفجارات والمتاريس المحترقة، واكفهرت السماء. وتمركز الجيش على مداخل مخيم جنين الذي لا يخرج منه ولا يدخله أحد، قبل أن تدخله مدرعاته صباح أمس الثلاثاء. وداخل المخيم الذي يعيش فيه نحو 18 ألف شخص، بدت كابلات الكهرباء مقطوعة والشوارع تملأها الحفر جراء عبور الجرافات الإسرائيلية المضادة للقنابل. وشاهد المراسلون هياكل سيارات مدمرة وسلالم أدراج منازل حجارتها مبعثرة وأرصفة اقتلعت قطع منها. وكانت الاشتباكات أقل حدة صباح أمس الثلاثاء، لكن سُمع صوت انفجار هائل لم يعرف إن كان جراء تفجير أم قصف.
في الأثناء، صرّح نائب محافظ جنين كمال أبو الرُّب أن «حوالي 4000 شخص غادروا المخيم حتى الآن»، مضيفاً أنه يجري اتخاذ الترتيبات لإيوائهم في مدارس وأماكن أخرى في مدينة جنين. ومن داخل المخيم، قال بدر الغول «شاهدتُ جرافات تدخل وتدمر منازل وبداخلها سكانها».
وبحسب الأمم المتحدة، فإن مخيم جنين فيه «أعلى معدلات البطالة والفقر» مقارنة بمخيمات الضفة الغربية الأخرى، وأن العملية العسكرية قطعت إمدادات الماء والكهرباء عن جزء كبير منه.
وفي إطار ردود الفعل العربية والدولية، دانت مملكة البحرين بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة جنين ومخيمها، ودعت السلطات الإسرائيلية إلى إنهاء العمليات العسكرية في الضفة الغربية، ووقف أعمال العنف والتصعيد. وشجب مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك دوامة العنف في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة، مشدداً على «وجوب أن يتوقّف القتل». وجاء في بيان لتورك أن «العملية الأخيرة في الضفة الغربية المحتلة وعملية الدهس في تل أبيب تسلّطان الضوء بشكل مقلق على نمط من الأحداث مألوف للغاية: العنف لا يولّد إلا مزيداً من العنف. يجب أن يتوقف القتل والإيذاء الجسدي وتدمير الممتلكات». وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فانيسا هوجينين في إفادة صحفية «نشعر بالقلق من حجم العمليات الجوية والبرية التي تجري في جنين والضربات الجوية لمخيم للاجئين مكتظ بالسكان». وأضافت أن من بين القتلى ثلاثة أطفال. ومن جهتها، قالت منظمة الصليب الأحمر إنها تشعر «بقلق بالغ إزاء التصعيد المقلق للعنف المسلح» في جنين. وأثارت منظمتا الصحة العالمية وأطباء بلا حدود مخاوف إزاء القدرة على الوصول إلى المخيم.
ودعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الجيش الإسرائيلي إلى «ضبط النفس» وحماية المدنيين الفلسطينيين، كما دعت ألمانيا إسرائيل إلى احترام مبدأ «التناسب» المنصوص عليه في القانون الدولي. وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان «نحن نتابع بقلق بالغ الوضع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة». في حين أكد المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو مستعدة لتكثيف جهودها مع جامعة الدول العربية لحل المشكلة الفلسطينية. (وكالات)