ووفق إذاعة “أوروبا الحرة”، فإن روسيا لا يمكن أن تسمح بانهيار كازاخستان، بالنظر إلى الحدود الطويلة بين الجانبين، إضافة إلى وجود موقع بايكمور الذي تطلق منه موسكو صواريخها، ثم لكونها موردا اقتصاديا مهما للدب الروسي.
ولا تخفي موسكو انزعاجها من أية محاولة غربية للتوغل سياسيا في بلد قريب منها، وفي كل مرة تحدث فيها اضطرابات بالمنطقة يثار الصراع القائم بين روسيا والغرب، وهو صراع موجود فعلا في كازاخستان، يستشف من خلال الاتهامات الروسية للأميركيين بأنهم وراء الاحتجاجات الأخيرة.
وتجعل الخيرات الطبيعية والموقع الاستراتيجي لكازاخستان، محط صراع بين مجموعة من القوى، حيث تملك مخزونا كبيرا من موارد الطاقة، وتعد الحديقة الخلفية لروسيا، وإن كان ذلك لا يمنع العاصمة نور سلطان من فتح بابها منذ سنوات لشركات أميركية للاستثمار في مجال الطاقة.
وكازاخستان تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، التي تزيد على 2.7 مليون كيلومتر مربع، وتتمتع بأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، وتتشارك مع روسيا نحو 7 آلاف كيلومتر من الحدود.
ومنذ الأحد تشهد كازاخستان مظاهرات عنيفة قتل فيها العشرات، رفضا لزيادة أسعار الوقود والسخط على السياسات الداخلية للحكومة، التي لم تتخلص من حكم الفرد الواحد.
قوات “حفظ سلام”
والخميس، قالت منظمة معاهدة الأمن الجماعي إنها أرسلت أولى “قوات حفظ سلام” إلى كازاخستان، تلبية لطلب من رئيس البلد الغارق في احتجاجات تفجرت بعد رفع أسعار الوقود، واستدعت فرض حالة طوارئ.
ولم تنشر المنظمة قواتها أبدا للتدخل في صراع بدولة أخرى، لكن عندما طلب الرئيس قاسم جومرت توكاييف المساعدة وافقت، وسرعان ما وصلت القوات الروسية كازاخستان.
وظلت منظمة معاهدة الأمن الجماعي بعيدة عن ثورات 2005 و2010 و2020 في قيرغيزستان، وأعمال العنف العرقية في يونيو 2010 جنوبي البلد ذاته، وصراع ناغورني كراباخ بين أرمينيا وأذربيجان في خريف 2020.
كما لم تحاول المنظمة التدخل أو التوسط في القتال الحدودي القصير بين قيرغيزستان وطاجيكستان نهاية أبريل 2021، رغم أن جميع مسؤولي المنظمة كانوا يجتمعون في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، في ذلك الوقت.
ووفقا للمادة الرابعة من ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي، لا ترسل المنظمة القوات إلا لمساعدة دولة عضو تتعرض أراضيها أو سيادتها للتهديد من قبل قوة خارجية.
واعتبرت العبارة التي صاغها توكاييف في خطابه بدقة لتنص على “جماعات إرهابية دولية مدربة بالخارج”، كافية من الناحية القانونية لاستدعاء مساعدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، لحكومته المحاصرة.
وتساعد تلك الخطوة حكومة توكاييف على البقاء في السلطة، لكن وصول قوات أجنبية إلى الأراضي الكازاخية لا يبدو أمرا مرحبا به بين صفوف المحتجين، أو غيرهم من مواطني كازاخستان.
ووفق مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، ستؤدي احتجاجات كازاخستان “بلا شك” إلى زيادة التوترات مع الغرب بشكل أكبر.
وأشارت المجلة إلى أنه “سرعان ما تلقت مناشدة توكاييف منظمة معاهدة الأمن الجماعي المساعدة، كثيرا من الانتقادات، حيث كتب السفير الأميركي السابق لدى كازاخستان، ويليام كورتني، عبر تويتر، أن (شعب كازاخستان يعلم أن هذه انتفاضة شعبية ضد الحكم الاستبدادي الفاسد، وليس عملا عدوانيا من قبل عصابات إرهابية مدربة بالخارج)”، وفقا لتعبير الرئيس الكازاخي.
زيادة التوترات الروسية الغربية
وحسب الأكاديمي المختص بالشأن الدولي طارق فهمي، فإنه “بالتأكيد ستؤثر اضطرابات كازاخستان على مساحة التوترات بين روسيا والغرب، استكمالا على الأزمة الجارية بخصوص أوكرانيا”.
وأضاف لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “الاضطرابات تأتي قبيل أيام من سلسلة اجتماعات على تمتد بين 10 و13 يناير الجاري، بين كل من روسيا والقوى الغربية وحلف الناتو، بهدف نزع فتيل الأزمة الأوكرانية وتخفيف التوتر”.
وتابع: “نحن أمام تطور خطير في هذه المنطقة، ومساحة التوتر تزيد بين الغرب وروسيا، وهناك تحركات بريطانية بإرسال قوات، والإدارة الأميركية عاجزة عن اتخاذ إجراءات في هذا الإطار، وبالتالي كل السيناريوهات واردة”.
وأكد فهمي على أن روسيا “لن تقدم أي تنازلات، والسيناريو الذي تم في شبه جزيرة القرم قد يتكرر، وحشود القوات على الحدود قد تؤدي إلى عسكرة الأزمة.. والحل العسكري يستبق أي خيار سياسي”.
وتابع: “تأتي كازاخستان بطبيعة الحال واضطراباتها الداخلية والدعم الروسي الكبيرة لها لتعمق الأزمة بين الجانبين، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الروسية الغربية مزيدا من المناكفات والضغوطات، الهدف منها محاولة أن يكون هناك موقف سياسي أو عسكري نتيجة لما يجري، لكن في كل الأحوال، فالسيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات”.