تشهد الأزمة الأوكرانية منعطفاً مهماً، في ظل الإعلان الروسي عن سحب بعض القوات التي كانت متمركزة قرب الحدود الأوكرانية، في مؤشر على خفض التصعيد في الأزمة، في حين تتواصل الجهود الدبلوماسية لإنهاء التوتر. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن بعض القوات في المناطق العسكرية المتاخمة لأوكرانيا، بدأت في العودة إلى قواعدها بعد استكمال تدريبات، في خطوة من شأنها تخفيف حدة الخلاف بين موسكو والغرب.
وقال متحدث باسم الوزارة «المناورات واسعة النطاق مستمرة في أنحاء البلاد، لكن بعض الوحدات في المنطقتين العسكريتين الجنوبية والغربية، استكملت تدريباتها وبدأت في العودة إلى قواعدها».
وأظهرت لقطات مصورة نشرتها وزارة الدفاع عملية تحميل بعض الدبابات والعربات المدرعة الأخرى على متن عربات سكك حديد.
وحشدت روسيا أكثر من 100 ألف من قواتها قرب الحدود الأوكرانية، ما أثار مخاوف من غزو أوكرانيا، خاصة أن التدريبات المشتركة التي تجريها موسكو مع روسيا البيضاء بين 10 و20 فبراير، تعني أن الجيش الروسي يُطوّق أوكرانيا تقريباً.
الكرملين يؤكد سحب القوات
وأكد الكرملين بدء عملية سحب مقررة لجزء من القوات الروسية المنتشرة عند الحدود مع أوكرانيا، لكنه شدد على أن روسيا ستواصل تحريك جنودها في أنحاء البلاد كما تراه مناسباً.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف «قلنا دائماً إنه بعد انتهاء التدريبات، سيعود الجنود إلى قواعدهم الدائمة.. ما من جديد هنا، إنها عملية عادية».
رد فعل أوكرانيا
وفي أول رد فعل من أوكرانيا على سحب جزء من القوات الروسية، نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا قوله إن بلاده لن «تصدق بخفض التصعيد» إلا بعد أن ترى انسحاب القوات الروسية.
ونسب التقرير إلى كوليبا قوله «نسمع باستمرار تصريحات مختلفة من الاتحاد الروسي لذلك لدينا قاعدة.. نصدق ما نراه فقط، إذا رأينا الانسحاب فسنصدق بخفض التصعيد».
وأعلنت أوكرانيا على لسان وزير خارجيتها، أن جهودها الدبلوماسية المشتركة مع الحلفاء الغربيين نجحت في تفادي تصعيد روسي أكبر، وقال كوليبا «تمكنا نحن وحلفاؤنا من الحيلولة دون قيام روسيا بمزيد من التصعيد.. نحن في منتصف فبراير ونرى أن الدبلوماسية لا تزال مستمرة».
ويشكك مسؤولون أوكرانيون منذ أسابيع في تقارير للاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن روسيا تستعد لهجوم وشيك على جارتها الواقعة غربا، إلا أن كوليبا شدد على أن منسوب التوتر لا يزال مرتفعاً عند الحدود الأوكرانية، وبأنه لا يزال يتعين على روسيا سحب قواتها المتبقية.
محادثات بوتين وشولتس
وعلى صعيد الجهود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات في موسكو مع المستشار الألماني أولاف شولتس، في إطار جهود دبلوماسية مستمرة منذ أسابيع، بهدف خفض التوتر بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.
وقال بوتين في مستهل المحادثات «للأسف، سنخصص جزءاً كبيراً من وقتنا اليوم لمسائل متعلقة بالوضع في أوروبا والأمن وللمحادثات الجارية حول هذه المسألة، ولا سيما بما يتصل بأوكرانيا».
من جهته قال شولتس «بالطبع، من الواضح أنه علينا الآن بحث الوضع الصعب المتعلق بالأمن في أوروبا» معبراً عن «سروره» للتمكن من إجراء هذه المحادثات، وأضاف «الأهم هو أن نتمكن من العمل على علاقاتنا عبر محادثات جيدة بين الأطراف».
جلس بوتين وشولتس إلى طاولة طويلة بطول ستة أمتار بحسب الإجراءات الصحية لمكافحة جائحة كورونا، التي يفرضها الكرملين على الضيوف الأجانب الذين يرفضون الخضوع للبروتوكول الصحي الروسي.
تفاؤل حذر
ومن جانبه قال الأمين العام لحلف (الناتو) ينس ستلوتنبرغ إن ما أعلنته روسيا، من أنها بدأت سحب قواتها من على الحدود مع أوكرانيا، «مدعاة لتفاؤل حذر، ولكن لم نرَ أي إشارة على خفض التصعيد على أرض الواقع».
وأضاف «الناتو لم يرَ أي علامات على خفض الوجود العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا، ولكننا سنواصل رصد ومتابعة ما تفعله روسيا من كثب».
وأوضح أنه يتعين أن يرى الناتو «انسحاباً كبيراً ودائماً» للقوات والمعدات العسكرية الروسية» لكي يعد ذلك خفضاً جدياً للتصعيد، وقال إنه من الممكن سحب القوات وإعادتها مجدداً، على نحو سريع.. والموقف الحالي يمثل «الأزمة الأمنية الأكثر خطورة التي نواجهها في أوروبا منذ عقود».
ولفت إلى أن الإشارات الصادرة عن روسيا لمواصلة السبل الدبلوماسية بشأن أزمة أوكرانيا تعد أمراً إيجابياً.
المناطق الانفصالية
وعلى صعيد آخر، أقر النواب الروس نداء إلى الرئيس فلاديمير بوتين، يدعونه فيه إلى الاعتراف باستقلال المناطق الانفصالية الأوكرانية المؤيدة لروسيا، والمدعومة من موسكو، والتي تشهد مواجهة مع الجيش الأوكراني في شرق أوكرانيا منذ 8 سنوات.
وقال رئيس مجلس النواب فياتشيسلاف فولودين «النداء الموجه إلى رئيس روسيا حول ضرورة الاعتراف بجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغنسك الشعبية، سينقل إليه فوراً»، وأوضح أن الوثيقة أقرت «خلال جلسة عامة» لمجلس الدوما.
والاعتراف بهاتين المنطقتين سيشكل نهاية عملية السلام في شرق أوكرانيا واتفاقات مينسك الموقعة بفضل وساطة فرنسية وألمانية، وتنص على عودة هذه المناطق على المدى الطويل إلى سيادة كييف.
وفي رد فعل من كييف على تلك الخطوة، قال وزير الخارجية الأوكراني «في حال الاعتراف باستقلال المنطقتين، ستنسحب روسيا من كل اتفاقات مينسك مع كل العواقب المترتبة على ذلك.. وحذرنا من موقف كهذا».
وتتهم موسكو- منذ أشهر- أوكرانيا بتقويض الاتفاقات، فيما عملية السلام متوقفة منذ نهاية عام 2019.
وتعد روسيا الراعي الرئيسي للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وقد اندلع النزاع إثر ضم موسكو لشبه جزيرة القرم بعد وصول موالين للغرب إلى السلطة في كييف مطلع 2014.
الكرملين ينتقد الموقف الأمريكي
وواصل الكرملين، انتقاداته الشديدة، لما وصفها بـ«المزاعم» الأمريكية بأن روسيا توشك على غزو أوكرانيا، واعتبرها «هيستيريا» لا أساس لها من الصحة. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف «بوتين يفضل أن تناقش روسيا والغرب مخاوفهما بهدوء، ولا يريد رؤية أي (حملات إعلامية) تزيد من التوتر». وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن بلاده ستواصل الحوار مع الغرب فيما يتعلق بقضايا الأمن، وإنها مستعدة لخوض محادثات منفصلة حول الصواريخ النووية متوسطة المدى. ورفض لافروف التقارير التي تتحدث عن تخطيط موسكو لغزو أوكرانيا، واصفاً إياها بأنها «إرهاب إعلامي».