تصاعدت حدة التصريحات الرسمية بين مصر وإثيوبيا، في الأيام القليلة الماضية، بشأن قضية سد النهضة. واحتوت كلمة وزير الخارجية المصري سامح شكري، في الجامعة العربية، على تحذيرات من “مخاطر جمة” على مصر والسودان نتيجة السد، ومطالبته الدول العربية بدعم القاهرة والخرطوم في القضية.
وبالفعل، صدر قرار عربي عن المجلس الوزاري للجامعة يدعم مصر والسودان. وفي المقابل، ردت الخارجية الإثيوبية وطالبت مصر بالالتزام برعاية الاتحاد الأفريقي وحده للمفاوضات. وجاء ذلك في ظل حديث عن تفكير مصر في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة. فما هي المخاطر التي تحدث عنها شكري، وما التوقعات لنتيجة التحركات المصرية؟
أستاذ هندسة السدود في جامعة “INTI-IU” في ماليزيا محمد حافظ يؤكد أن “الصور المتاحة من موقع السد توضح مدى تقدم الجانب الإثيوبي في صب خرسانة بمعدلات كبيرة بجميع أجزاء سد النهضة، سواء الكتلة الشرقية أو الغربية، اللتان وصلتا اليوم إلى قرابة منسوب 625 متراً فوق سطح البحر”.
“عبد الله الأشعل: القرار العربي بشأن سد النهضة لا ينفع مصر والسودان”
ويشير إلى أن “هذا الأمر يعني ضمنياً قدرة إثيوبيا على تخزين قرابة 27 مليار متر مكعب، بحيث يصل إجمالي التخزين إلى قرابة 49 مليار متر مكعب، وهذا هو ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع الدول الثلاث مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فبراير/شباط 2020، حيث وقع وزير الري المصري محمد عبد العاطي، بشكل منفرد، على جدول ملء سد النهضة، والذي سمح فيه لإثيوبيا بالوصول إلى مخزون يعادل 49.3 مليار متر مكعب مع نهاية الملء الرابع”.
إثيوبيا تلتزم بالكميات الواردة في الجدول
ويقول حافظ إنه “على الرغم من رفض إثيوبيا التوقيع على هذا الجدول، ومغادرة جلسة المفاوضات بالبيت الأبيض، إلا أنها من حيث المبدأ تلتزم بالكميات المذكورة في الجدول، وسوف تصل بمخزون بحيرة سد النهضة خلال الملء الرابع إلى قرابة 49 مليار متر مكعب. وعليه، فإن ادعاء الدولة المصرية بأن إثيوبيا تنفذ الملء الرابع من دون إذن مسبق ادعاء غير صحيح، والدليل على ذلك توقيع وزير الري السابق على جدول الملء أمام الرئيس الأميركي السابق”.
وبناء على كميات المياه المتوقع تخزينها من قبل إثيوبيا، يقول حافظ إن “إثيوبيا ستقوم خلال صيف 2023 بتخزين 27 مليار متر مكعب، تضاف إليها قرابة 3 مليارات متر مكعب تهدر في فواقد البحيرة. وعليه، يمكن القول، بكل ثقة، إنه في حالة ما إذا كان فيضان عام 2023 فيضاناً متوسطاً، ففي هذه الحالة لن يصل إلى بحيرة ناصر خلال أشهر الصيف (نقطة مياه واحدة)، ولكن سيصل إليها فيما بعد، في سبتمبر/أيلول المقبل، قرابة 14 مليار متر مكعب من النيل الأزرق”.
وعن التحركات المصرية الأخيرة المتمثلة في توجه القاهرة إلى جامعة الدول العربية طلباً للدعم، وصدور قرار عربي بشأن الأزمة، والحديث عن احتمالية التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، يقول المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية في القاهرة، عبد الله الأشعل، إن “موقف مصر لا يتناسب مطلقاً مع خطورة موضوع بناء السد، ولا مع رد إثيوبيا وتوحشها في هذا النزاع”.
أدلة على سوء نية إثيوبيا
ويضيف الأشعل “وجدت أن هناك أدلة كثيرة على سوء نية إثيوبيا، وإزاء هذا الموقف، ليس من المعقول أن يكون موقف الحكومة المصرية مرناً إلى هذا الحد، كما أنه ليس من المعقول أيضاً أنه بعد الوقوع في هذا الموقف، أن تطالب مصر من الدول العربية المساعدة”.
ويؤكد الأشعل أن القرار العربي، الذي صدر بشأن سد النهضة ويؤكد الالتزام العربي بحماية حقوق دول المصب لنهر النيل، “قرار يستفز ولا ينفع مصر والسودان، لأنه مثل ما منحت الدول العربية قرارها لدعم مصر والسودان، سيقف الاتحاد الأفريقي ضد الجامعة العربية، وبالتالي، مصر هي الخاسرة من الناحية الدبلوماسية”.
ويضيف أنه “لم يكن يصح أن يطلب وزير الخارجية المصري دعم العالم العربي، فإذا لم تكن الدولة قادرة على الحصول على حقها، فلا يجوز أن تطلب من غيرها”.
أما عن فكرة توجه القاهرة إلى مجلس الأمن الدولي، يقول الدبلوماسي المصري السابق: “في المرة الماضية عندما طلبت مصر انعقاد الجلسة، أيّدت كل الدول دائمة العضوية إثيوبيا، وهو ما مثل موقفاً محرجاً للحكومة المصرية، فإذا لم يكن لدى مصر الجديد الذي تطرحه على مجلس الأمن، فلن يجتمع المجلس أصلاً، وبالتالي ستكون هزيمة دبلوماسية كاملة لمصر، التي لا بد لها أن تدرس الموضوع جيداً والآثار المترتبة على حجب المياه عنها”.
ويتابع أن “موقف السودان أقرب إلى إثيوبيا من مصر، وهو ما يعبر عن خلل في موقف القاهرة تجاه الخرطوم، وهو الخلل الموجود أيضاً في موقفها تجاه إثيوبيا وأيضاً الولايات المتحدة”.
تمسك مصري بتوقيع اتفاق ملزم
من جهته، يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة السفير رخا أحمد حسن إن “مصر متمسكة بتوقيع اتفاق ملزم، ولكن هناك تعنتاً من الجانب الإثيوبي في الاستجابة للمطالب المصرية، وسوف نظل ندور في هذه الحلقة، وسيتم الملء الرابع، وتظل المفاوضات قائمة إلى أن يكتمل بناء السد، لأن قضية سد النهضة هي قرار سياسي إثيوبي في النهاية”.
“رخا أحمد حسن: ليس أمام مصر سوى الاستمرار في المطالبة بحقوقها المائية، والمطالبة باتفاق شامل مُلزم”
ويضيف: “ركزت إثيوبيا في حملتها لبناء السد، منذ البداية، على أنها تسعى للتنمية، وأن مصر والسودان يعيقا هذه التنمية. مصر نفت هذه الادعاءات في كل المحافل، وأعلنت أنها مستعدة للتعاون في بناء السد، ولكن باتفاق ملزم لا يضر بمصالح مصر المائية”.
ويقول حسن إنه “ليس أمام مصر سوى الاستمرار في المطالبة بحقوقها المائية، والمطالبة باتفاق شامل مُلزم، والإصرار على موقفها في جميع المحافل الدولية والإقليمية، لأن مسألة المياه غير قابلة للتنازل. قد تكون مسألة تنمية للجانب الإثيوبي، لكنها مسألة حياة للجانب المصري. وفي حالة حدوث ضرر بالغ، وقتها القيادة السياسية تحسب قراراتها طبقاً للمعطيات الجديدة”.
ويرى الدبلوماسي المصري السابق أن “ما خدم الموقف الإثيوبي في السنوات الماضية، وسبب عدم وجود ردات فعل قوية، أن مواسم الفيضانات كانت عالية، وكان هناك فائض من المياه، الأمر الذي خدم ادعاءات إثيوبيا بأن السد لن يؤثر على مصالح دول المصب”.
ويؤكد أن “مجلس الأمن لن يبحث الأمر مرة أخرى لأن الدول الكبرى في مجلس الأمن وضّحت عدم اختصاص المجلس بمثل هذه القضايا، وأحالت القضية إلى المنظمات الإقليمية المتمثلة في الاتحاد الأفريقي، الذي بدوره لم ينجز أي شيء على مدى الرئاستين السابقتين، ولم يستطع إقناع إثيوبيا بتغيير موقفها. كما أن أقصى ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن هو أن يصدر توصيات للدول وليس قرارات ملزمة”.
ويتابع حسن: “هناك تعاطف من الدول الأفريقية خط جنوب الصحراء مع الجانب الإثيوبي، فهذه الدول تجمعها علاقات جيدة مع إثيوبيا، كما أنها تعتمد في الزراعة على مياه الأمطار بنسبة لا تقل عن 85 في المائة، لذلك لا تدرك مخاطر أن تكون دولة مصب صحراوية”.
ويقول: “ما الذي تقدمه جامعة الدول العربية لمصر والسودان، وهل الدول العربية التي لها استثمارات ضخمة مع إثيوبيا حاولت أن تمارس أي شكل من الضغوط للتراجع عن موقفها؟ كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، التي لعبت دور الوساطة بين الدولتين، هل سعت بنفوذها إلى محاولة إقناع الجانب الإثيوبي بخطورة استمراره في بناء السد من دون اتفاق مع دول المصب؟”.
وكان شكري قد قال، في كلمته أمام الدورة الـ159 للمجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، الأربعاء الماضي، إن بلاده تعول على أشقائها العرب لحمل إثيوبيا على التخلي عما وصفها بـ”الممارسات الأحادية غير التعاونية” في قضية سد النهضة، مؤكداً أنها تشكل “خطراً جماً على مصر التي تعاني ندرة مائية فريدة”.
وفي مساء اليوم ذاته، أعلن شكري اعتماد قرار بشأن سد النهضة، وطرحه كبند دائم على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية، بما يؤكد “الالتزام العربي بحماية حقوق دول المصب لنهر النيل”.
وعقب تصريحات وزير الخارجية المصري، أعربت أديس أبابا عن استيائها من قرار جامعة الدول العربية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، مشددةً على أنه يجب ترك إدارة واستخدام نهر النيل، بما في ذلك ملء وتشغيل السد، للأطراف المعنية في أفريقيا.
وأكّدت الحكومة التزامها بمواصلة ملء وتشغيل سد النهضة وفقاً لاتفاقية إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015، الموقعة بين إثيوبيا ومصر والسودان، مع احترامها الكامل لمبدأ الاستخدام العادل والمعقول للمياه العابرة للحدود.