
كشفت وثائق أمريكية سرية تم الإفراج عنها خلال الساعات الأخيرة، عن توقيع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتفاقاً سرياً مع حركة طالبان يحظر على واشنطن دعم الجيش الأفغاني بأية معدات عسكرية أو لوجستية، والابتعاد نهائياً عن مشهد ما بعد الانسحاب من كابول. وتحت عنوان «تاريخ الولايات المتحدة الدبلوماسي الأسود في أفغانستان»، كشفت مجلة «نيويوركر» جانباً كبيراً من هذا الواقع، أكدت أن التخلي عن الجيش الأفغاني وانسحاب القوات الأمريكية من البلد المضطرب يضاهي إلى حد كبير انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام الشمالية بعد توقيع الرئيس ريتشارد نيكسون اتفاقية في يناير 1973 أطلقت عليها واشنطن «اتفاقية إنهاء الحرب واستعادة السلام في فيتنام»، واستبقتها بمحادثات مع الخصوم في 10 مايو 1968 بالعاصمة الفرنسية باريس، اعتبرها نيكسون في حينه «غطاءً سياسياً» لانسحاب الولايات المتحدة من الحرب، رغم علمه بأن الخطوة تترك فيتنام الجنوبية – حليف الولايات المتحدة – عرضة للخطر. وبعد هذا التاريخ بعامين، غزا مقاتلو فيتنام الشمالية وما يُعرف بـ«الفيتكونغ» فيتنام الجنوبية، بينما أجلت طائرات هليكوبتر آخر الأفراد الأمريكيين من سطح مبنى السفارة الأمريكية في سايغون، وهو ما ضاهى -إلى حد كبير- مشهد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وتشير المجلة الأمريكية في مقدمة تقريرها إلى ما وصفته بـ«سجل محبط من سوء التقدير والغطرسة والوهم الذي أدى إلى سقوط الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب»؛ ففي 14 أبريل، أنهى الرئيس جو بايدن أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وأعلن أن آخر القوات الأمريكية المتبقية في أفغانستان ستغادر بحلول 11 سبتمبر.
دوامة الموت
وبعد أسابيع من هذا التاريخ، احتلت «طالبان» عشرات المناطق الريفية وأغلقت المدن الكبرى. وبحلول منتصف يونيو، انزلقت أفغانستان -الدولة الديمقراطية الهشة التي بناها الأفغان وجنود الناتو ودافعو الضرائب الأمريكية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر- إلى دوامة الموت. مع ذلك، أصر «رئيس الدولة المنكوبة» أشرف غني ومجلس وزرائه على بقاء الجمهورية، ونقل رسائل تحمل هذا المعنى إلى كل الدوائر السياسية والعسكرية في بلاده، حسب وزيرة التربية والتعليم الأفغانية السابقة رانغينا حميدي، التي قالت: «تلقينا في حينه رسائل تطمين وتشجيع من رئيس البلاد». وفي حين فطن الجميع إلى أن تطمينات غني تعتمد بشكل أو بآخر على الدعم والغطاء الأمريكي، لكن الرئيس الأفغاني السابق قال: «أمريكا لم تقدم وعداً بالبقاء في بلادنا إلى الأبد». ما يعني حسب محللون استنطقتهم المجلة الأمريكية أن الولايات المتحدة سترحل حتماً عن أفغانستان، لكنها ستواصل في الوقت نفسه دعمها للجيش ومؤسسات الدولة ضد «طالبان».