فنادق أبوظبي.. رمز التطور الحضاري وذاكرة المجتمع الإماراتي
الفنادق ليست مجرد أماكن للإقامة أو تناول الطعام، فهي مكون لا يتجزأ من هوية المدينة، ومؤشر إلى تطورها الحضري، إذ إن إنشاء الفنادق، غالباً، يتطلب تطوير البنية التحتية، مثل: الطرق، وأنظمة النقل، والخدمات العامة، ما يجعلها، أيضاً، بمثابة محرك اقتصادي للمدينة التي تقام فيها، فالفنادق تصمم لجذب السياح، ورجال الأعمال، والسكان المحليين على حدٍّ سواء، ما يعزز الاقتصاد المحلي، بتوفير فرص العمل، وتحفيز الطلب على المنتجات والخدمات المحلية، حتى إنها تنشّط المناطق الحضرية المهملة، وتحولها إلى وجهات تنبض بالحياة، لاسيما إذا كان الفندق ينتمي إلى علامة عالمية. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، فالفنادق، عادة، تساهم في إثراء المشهد الثقافي للمدينة، وغالباً تستلهم من الثقافة والتاريخ والعادات المحلية، ما يضفي على مساحاتها عناصر تجسد جوهر المدينة أو المنطقة، وهذا لا يؤدي إلى تجربة متميزة لا تنسى للضيوف فحسب، وإنما يزرع أيضاً شعوراً بالفخر بالهوية بين السكان المحليين. أضف إلى ذلك، لعبها دوراً حاسماً في تعزيز التفاعل الاجتماعي، والمشاركة المجتمعية، فهي تستضيف أحداثاً ومعارض واجتماعات، وتستقبل أشخاصاً من خلفيات متنوعة، فتكون مسرحاً لتبادل الأفكار، وتكوين الروابط الاجتماعية، ما يثري النسيج الاجتماعي للمدينة.
وانطلاقاً من ذلك، نفهم تماماً سبب اختيار دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي تضمين لائحة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث 5 فنادق، شيدت في إمارة أبوظبي خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وسنتناول في هذا التقرير 3 منها، هي: إنتركونتيننتال أبوظبي، وفندق شيراتون الكورنيش، وفندق راديسون بلو العين (هيلتون سابقاً)، لما لها من تأثير في ذاكرة المجتمع الإماراتي.
فندق إنتركونتيننتال – أبوظبي
على قمة تلة اصطناعية في منطقة البطين بالعاصمة أبوظبي، تم بناء فندق إنتركونتننتال عام 1980؛ ليستضيف رؤساء دول الخليج، المشاركين في قمة مجلس التعاون الأولى، التي عقدت عام 1981. وقد شكل الفندق ذو الخمس نجوم، وقتها، معلماً حضارياً، يرمز إلى تطور أبوظبي، التي كانت لاتزال عاصمة حديثة الولادة. وفي هذا الفندق، استقبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي، وفي صالاته الفخمة تمت إقامة العديد من حفلات الزفاف لكبار الشخصيات في المنطقة، ما جعله واحداً من أهم الفنادق فيها.
أحيط فندق إنتركونتننتال بمساحات خضراء، جعلته بمثابة واحة خلابة وسط أرض مسطحة وصحراوية، تتناثر في أرجائها بعض المباني. أما تصميمه الخارجي، فتميز ببساطته، حيث أراد المهندس المعماري «بنجامين طومسون» أن تكون واجهته مكونة من صفوف بسيطة من النوافذ المرتبة في نسق منتظم، في حين اختار أن يزين داخله بالذهب، والزخرفة الاستشراقية، ما أحدث تناقضاً صارخاً بين الخارج والداخل. ولم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى فصل الفندق إلى مستويين متوازيين؛ ما منحه بعداً إضافياً، فيما خصصت الطوابق العليا للأجنحة الملكية والرئاسية.
تكمن أهمية فندق إنتركونتينتال أبوظبي في أنه كان أول فندق يتم توقيع صفقة بنائه بقيمة 50 مليون دولار عام 1975، وهي السنة ذاتها التي أنشأ فيها المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، شركة أبوظبي الوطنية للفنادق، لبناء وإدارة الفنادق في الإمارة.
وخضع إنتركونتينتال أبوظبي لعملية إعادة تأهيل وتجديد، لكنه حافظ على فخامة تصميمه الداخلي، لتكون شاهدة على تاريخ من اللقاءات والأحداث المهمة. اليوم، ورغم إقامة فنادق أخرى حديثة في أبوظبي، لايزال فندق إنتركونتيننتال يستقبل الضيوف من كل أنحاء العالم، ويخبر عن حقبة محورية من تاريخ الإمارات، مقدماً إطلالات بانورامية على واجهة بحرية مذهلة، وعلى مدينة بوسع وطن.
فندق ومنتجع شيراتون – الكورنيش
عام 1973، كان في العاصمة الإماراتية أبوظبي فندق دولي واحد فقط هو “هيلتون”. لكن تغير الأمر في 1979، مع افتتاح فندق ومنتجع شيراتون؛ لاستيعاب الزائرين القادمين إلى المدينة، تزامناً مع النهضة التي شهدتها البلاد.
وشكل الفندق، الواقع على الطرف الشرقي لكورنيش أبوظبي، معلماً رئيسياً في المدينة، لاسيما أنه بُني على الطراز الحداثي، وتميز بلونه البني المحمر بلون الرمال، وتصميمه على شكل حرف (Y)، وخرسانته المزخرفة والزاهية، وما جعله أكثر تميزاً هو هيكله المصنوع من أسطوانات عمودية، يعلوها غطاء كروي الشكل، يشبه القلاع التقليدية، التي تفصل صفوفاً متراصة من نوافذ الغرف.
استغرق بناء الفندق قرابة العامين، بتكلفة 120 مليون درهم، ثم خضع لعملية تجديد بقيمة 50 مليون درهم، وأعيد تصميم ردهته الضخمة، وأجري إصلاح شامل للغرف، البالغ عددها 272 غرفة. ويضم الفندق، أيضاً، 17 جناحاً، و8 قاعات اجتماعات، وتبلغ أكبر قاعة فيه أكثر من ألف متر مربع.
في تلك الأيام، كان الفندق يطل على الشاطئ مباشرة، ولم يكن أمامه سوى امتداد مياه الخليج بلونها الأزرق. أما اليوم، فلم يعد كذلك بسبب استصلاح الأراضي، وبناء الأبراج الشاهقة، وشق طريق سريع لمواكبة نمو وتطور المدينة. ومع ذلك، لايزال هذا الفندق يمثل شهادة حية على التطور العمراني، والتوسع الحضري في أبوظبي، ويذكر بطموح المدينة للوصول إلى ما هي عليه اليوم.
فندق ومنتجع راديسون بلو العين (هيلتون سابقاً)
تخيلوا شعوركم، حينما تقيمون في فندق أقدم من البلد الذي وجد به.. هذا ما يمكن أن يحدث معكم في حال قررتم الإقامة في فندق «راديسون بلو العين» (فندق هيلتون سابقاً).
بني الفندق بمنطقة غاردن سيتي في العين عام 1970، بهدف إقامة حفل زفاف ملكي عام 1971، وهو العام نفسه الذي أعلن فيه قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
كان الفندق أحد المباني الخرسانية القليلة جداً في المدينة، وأطول مبنى فيها، وقد استضاف العديد من كبار الشخصيات العالمية، كالملكة إليزابيث الثانية، التي مكثت فيه خلال أول زيارة دولة لها إلى منطقة الخليج. فضلاً عن استضافته الملاكم العالمي محمد علي كلاي، وغيرهما من المشاهير والسياسيين ورجال الأعمال.
عندما افتتح الفندق شكل حدثاً مهماً في المدينة، التي تتميز بهدوئها، والصحراء المحيطة بها، إذ كانت غرفه مزودة بمكيفات هواء، وضم قاعات مؤتمرات هي الأولى من نوعها في المدينة، وحمام سباحة كبيراً، ما جعله مكاناً موثوقاً لإقامة الفعاليات المهمة والمناسبات الكبرى.
كما أحيط الفندق بمساحات خضراء، وخضع على مر السنوات لإعادة تأهيل، فأضيفت إليه شاليهات، وهو اليوم يضم 3 أحواض سباحة، وزلاجة مائية، وملاعب تنس واسكواش، و7 مطاعم تقدم أشهى المأكولات العالمية والعربية، وغرفه تتميز بإطلالاتها على الطبيعة المحيطة بمدينة العين.
ورغم تغير علامته التجارية، فإن فندق هيلتون العين (راديسون بلو حالياً) لايزال يعتبر من المعالم السياحية المهمة في الدولة، وشاهداً حياً على ما حققته مسيرة التنمية الشاملة من تقدم ورقي وازدهار.