
يتكون العمود الفقري من 33 فقرة تتراص فوق بعضها ويفصل بينها وسادات أو أقراص مرنة لامتصاص الأحمال والضغط، تمتد من قاعدة الجمجة وحتى منطقة الحوض، ويعد من أهم الركائز التي يعتمد عليها توازن الإنسان بشكل كلي ومتابعة حركته الطبيعية، كما أنه المسؤول عن استدارة حركة الأكتاف وانحناء أسفل الظهر للأمام قليلاً لتسهيل الحركة والتوازن، وفي السطور القادمة يخبرنا الخبراء والاختصاصيون عن الأعراض والمضاعفات والطرق العلاجية لهذه المشكلات المرضية.
ويقول د. أسامة عبدالله استشاري جراحة العظام، تعتبر أمراض العمود الفقري وآلام المفاصل من أكثر الأمراض الشائعة في هذا العصر، وعلى الرغم من ارتباطها سابقاً بفئات عمرية محددة، فإن الدراسات السريرية الحديثة أثبتت أنها تنتشر بين الأشخاص نتيجة نمط الحياة غير الصحي والجلوس الخاطئ وممارسة أنواع غير مناسبة من التمارين الرياضية، وتشمل الإصابات الديسك، الانزلاق الغضروفي، هشاشة عظام الفقرات، ضيق القناة الفقارية أو اعوجاج في العمود الفقري.
ويشير د.عبدالله إلى أن إصابات العمود الفقري تنجم عن حدوث كسر نتيجة الحوادث أو السقوط أو خلع أو تمزق في المفاصل والأربطة والتي تصل في بعض الأحيان للفقرات، وفي أغلب الحالات تترافق مع رضوض في الرأس أو الصدر والبطن والأطراف، ولا يتم اكتشافها إلا عند حدوث مضاعفات ويبدأ المريض في الشعور بألم عند تحريك المنطقة المصابة، وفي حال تأذى الحبل الشوكي أو الأعصاب فسيعاني المصاب ضعفاً أو شللاً في الأطراف أو تنميل وخدر أو فقد للحس في اليدين أو القدمين.
و يحذر د.عبد الله من تجاهل الآلام أو عدم الإحساس بالراحة التي يمكن أن يعانيها الأشخاص في منطقة العمود الفقري، التي تتسبب ببعض الحالات في عدم القدرة على ممارسة النشاط اليومي بشكل طبيعي، وآلام في أسفل الظهر تمتد إلى منطقة الأضلاع والقفص الصدري والفقرات القطنية، والأرداف والأطراف، أو الشعور بالانزعاج عند حمل وزن خفيف أو الجلوس لفترات طويلة، حيث إن تأخر مراجعة الطبيب يؤدي إلى تقدم الحالة وحدوث المضاعفات التي يصعب علاجها وتتطلب التدخل الجراحي.
ويلفت د.عبدالله إلى أن بعض الإصابات تتطلب فقط قسطاً من الراحة لعدة أيام، وتجنب الحركات العنيفة، وعدم بذل الجهد الكبير، ومنها ما يتم علاجه يدوياً في عيادة الطبيب المختص، ومشكلات أخرى تحتاج إلى التدخل الطبي بالطرق الحديثة التي تمزج بين العلاج الطبيعي والإبر الجافة، الليزر، والموجات الفوق صوتية، أما الجراحة فتعد الملاذ الأخير، حيث يلجأ لها الطبيب في حال التأكد من عدم استجابة المريض لأي طريقة علاجية أخرى.
الانزلاق الغضروفي
يوضح الدكتور عطالله الرفاعي أخصائي جراحة العظام والطب الرياضي، أن الانزلاق الغضروفي القطني من إصابات الظهر والرقبة الأكثر شيوعاً بين الأشخاص، ويستهدف على الأكثر كبار السن فوق 50 سنة، حيث تتعرض الغضاريف للانضغاط وتصاب بالتآكل، وتضغط على الأعصاب، كما يمكن أن تصيب الشباب نتيجة ممارسة الرياضات القاسية وحمل الأوزان الثقيلة، والتمارين الخاطئة وحوادث السير.
ويلفت د.الرفاعي إلى أن علامات الإصابة بالانزلاق الغضروفي القطني تتراوح من بسيطة إلى شديدة بحسب الحالة، وعلى الأغلب يحيط الألم بالفقرات، وربما ينتشر بالجدر العصبي المعرض للضغط من الغضروف المنزلق، ويصاحبه خدر وتنميل في أكثر من منطقة بالجسم، إضافة إلى برودة الأطراف، وضعف العضلات البسيط الذي يؤدى إلى عدم القدرة على الحركة والمشي، بينما يعاني مرضى الحالات الشديدة الناجمة عن انضغاط العصب، من شلل للحركة يحتاج إلى التدخل الجراحي.
ويضيف: يتم التشخيص عن طريق الفحص السريري، للكشف عن مكان الألم، أو وجود خلل في المشي، وفحص المنعكسات في الأقدام، ومقارنة القوة العضلية أو ضعفها، وفي الحالات البسيطة يتم إجراء أشعة لصورة الظهر، ثم الرنين المغناطيسي، لتحديد مكان وحجم الانزلاق والجدر المنضغط.
يذكر د.الرفاعي معالجة الانزلاق الغضروفي القطني تختلف من مريض لآخر بحسب درجة الألم والمضاعفات، وفي البداية يجب توعية المريض واتباع مجموعة من العادات التي تحد من الشعور بالألم، مثل: التعرض لأشعة الشمس قبل العاشرة صباحاً أو بعد الرابعة مساء للحصول على فيتامين «د» لتقويه العظام والمفاصل، الطريقة السليمة للوقوف والمشي، وممارسة الرياضة اليومية وتجنب التمارين القاسية والعنيفة وحمل الأوزان الثقيلة، ثم يخضع المصاب للعلاج الفيزيائي والتأهيلي الطبي الذي يشمل بعض التدريبات التي تسهم في تمديد عضلات الظهر، وتقوية العضلات المحيطة بالفقرات القطانية، للحماية من تطور انزلاق الغضاريف.
هشاشة العظام
يرى د.ر آجيت جوس أخصائي العظام أن هشاشة العظام تتسبب بتناقص قوة العظام وتزيد من خطر تعرضها للكسور، ويعتبر العمود الفقري هو المنطقة الأكثر عرضة للهشاشة، حيث يشعر المريض بألم في الظهر ناجم عن فقرة ممزقة، وتناقص الطول مع مرور الوقت بسبب الكسور الفقارية الضئيلة الناجمة عن الضغط، والتي تظهر على شكل ألم بسيط في الظهر، ووجود انحناء أثناء الوقوف ناجم عن ضغط على الجزء الأمامي من الفقرة، كما يلعب العامل الوراثي أو تناول أدوية محددة، مثل: الهرمونات القشرية السكرية أو مضادات الاختلاج، أو الإصابة بأمراض التهاب المفاصل الروماتويدي وغيرها من الأمراض الالتهابية الأخرى دوراً مهماً في الإصابة.
ويضيف: تعتبر الأشعة السينية الفحص الأولي لتشخيص كسور أو ضغط العمود الفقري الناجم عن هشاشة العظام، ولذلك يُنصح الأشخاص فوق الخمسين عاماً أو السيدات اللواتي بلغن سن اليأس بإجراء هذا الفحص عند الشعور بآلام في الظهر، ويمكن لتحليل كثافة العظام تشخيص المرض في وقت مبكر حتى قبل التعرّض لكسور، حيث إنه يحدد عدد جرامات الكالسيوم وغيرها من معادن العظام الموجودة في مساحة سنتيمتر مربع من العظمة.
يلفت د.جوس إلى أن تعدد الكسور من أهم مضاعفات هشاشة العظام في العمود الفقري، ويُرغم المريض على تقليل أنشطته وتنقله، ما يؤدي إلى إصابته بأمراض أخرى ناجمة عن قلة النشاط الجسدي، وتتسبب الكسور الناجمة عن الانضغاط في نقص الطول وانحناء في العمود الفقري، وإذا كان الكسر حاداً فقد يضغط على الحبل الشوكي ويتسبب بألم متشعب حاد أو حتى شلل في الساقين.
ويضيف: يعتمد علاج الكسور المؤلمة على وصف مضادات الالتهاب غير الستيرويدية والمسكنة للألم مثل الاسبيرين والبروفين، ويحتاج الألم الحاد إلى عقاقير أقوى تأثيراً، والراحة في السرير لفترة قصيرة، وينبغي تجنب الاسترخاء لفترات طويلة، ويتم علاج هشاشة العظام عن طريق تناول المكملات من الكالسيوم والفيتامين «د»، وأقراص البايسفوسفونيت أو الحقن، ورذاذات الأنف الحاوية على مادة كالسيتونين وحقن تيربارتايد اليومية عند الحاجة.
نمط الحياة
تتسبب الكثير من العادات الخاطئة التي يتبعها بعض الأشخاص في نمط الحياة وتؤثر سلباً في صحة العمود الفقري وآلام أسفل الظهر المستمرة، كالبدانة والوزن الزائد، نقص العناصر الغذائية في الوجبات اليومية، والاستهلاك المنخفض للكالسيوم والفيتامين «د» أو التعرض القليل لأشعة الشمس، وحالات سوء امتصاص الغذاء، وعدم ممارسة التمارين الرياضية التي تعد من أهم العوامل لحماية والحفاظ على صحة العمود الفقري والعادات السيئة مثل الاستهلاك المفرط للقهوة أو الكحوليات أو التبغ، ويشير د. صبوح كاسيس أخصائي جراحة الأعصاب والعمود الفقري إلى أن هناك دراسات علمية وإحصاءات تدل على أن الأشخاص المدخنون يعانون بنسبة أكبر من آلام العمود الفقري مقارنةً بغيرهم.
ويضيف: يؤدي التدخين إلى العديد من المشكلات التي تهدد صحة الجسم والعمود الفقري، وأبرزها هشاشة العظام وكسور في أجسام الفقرات الصدرية أو القطنية من دون وجود حوادث، كما يؤثر في تعافي والتئام الجروح في حال عمليات العمود الفقري، ويزيد من احتمال الالتهابات والمضاعفات الجراحية بشكل عام.