ورغم كل حملات التوعية، يُتوقع أن يرتفع عدد المصابين مع حلول سنة 2030 إلى 643 مليوناً.. أتتصورون معنى أن يتعايش كل هؤلاء مع مرض السكري؟.. فلنبدأ من النهاية، وكيف يمكن التعايش مع هذا المرض؟.. سؤال وجهناه إلى أخصائية الغدد الصماء والسكري الدكتورة سارة سليمان، فقالت: «هناك من يصفون مرض السكري بأنه صديق للمريض، وبالتالي التعايش معه ممكن، لكنه يتطلب الالتزام التام بنظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، وضبط مستويات ضغط الدم والكوليسترول والدهون الثلاثية، مع إجراء الفحوص الدورية للكلى والعيون والقلب والقدمين، باعتبارها أكثر أعضاء الجسم تأثراً بمضاعفات السكري».
نستخلص، من كلام الطبيبة، أنه من الممكن أن يكون السكري صديقاً للإنسان عند إدارته بشكلٍ جيد، وهذا يستدعي الالتزام، الذي يبدأ بوعد الذات، وينتهي بالوفاء بالوعد.
أسباب الإصابة
وعن أسباب الإصابة، تقول الدكتورة سارة: «إن حدوث المرض المزمن يتم عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين بكمية كافية، أو عندما يفقد الجسم قدرته على استخدام الأنسولين الذي ينتجه بالكفاءة المطلوبة. وبالتالي يمكن تقسيم المرض إلى نوعين: عدم كفاية الأنسولين، وانخفاض حساسية الأنسولين. وينطوي المرض على جانبين متناقضين: الأول: يصبح فيه – حال إهماله – مرضاً خطيراً، يهدد حياة المريض. والثاني: يكون فيه صديقاً للمريض عند إدارته بشكل جيد. والسكري نوعان: أول وثانٍ. يحدث الأول عندما يعجز البنكرياس عن مدّ الجسم بكميات كافية من الأنسولين الضروري لعمله بشكل جيّد، في حين يكون سبب الثاني انخفاض حساسية الأنسولين بشكل كبير، في حالة تعرف بـ(مقاومة الأنسولين). وتتفاقم هذه الحالة عند إهمالها بشكل كبير مسببة مضاعفات سيئة. وترد أسبابها إلى عوامل عدّة، بعضها وراثي، والآخر نتيجة تدهور نمط الحياة، مثل: قلة النشاط البدني، والاعتماد على نظام غذائي غير صحي غني بالسكريات، والمشروبات الغازية، والأطعمة المصنعة».
العلاج، على عكس تعقيدات المرض، قد يكون بسيطاً. هذا ما قالته الدكتورة سليمان، موضحة: «يكفي تطبيق تغييرات حياتية صحية، وخسارة الوزن؛ حتى نلاحظ الفرق، وقد يحتاج المريض إلى علاجات دوائية أو حقن، حسب حالته، ومدى تقدم مرضه».
ما قبل السكري
تشعرون بجفاف في الفم، والحاجة الماسة إلى تكرار التبول؟.. قد يكون السبب مرض السكري، وقد لا يكون. الأمر يحتاج إلى تشخيص، تتحدث عنه الدكتورة سليمان، قائلة: «يجري التشخيص عبر سلسلة من الفحوص، تبدأ بفحص سكر الدم أثناء الصيام لمدة لا تقل عن 8 ساعات، حيث يفترض أن يكون المعدل لدى شخص غير مصاب أقل من 100ملغم. أما عندما تكون النتيجة أكثر من 100ملغم، وأقل من 126ملغم، يكون الشخص مصاباً بحالة (ما قبل السكري)، حيث يكون عرضة للإصابة بالمرض إذا لم يتخذ خطوات استباقية، عبر تحسين نوعية حياته، ونظامه الغذائي. وهناك، أيضاً، فحص مخزون السكر، الذي يبيّن ما خزنه الجسم من السكر خلال الأشهر الثلاثة السابقة للفحص، حيث يكون الشخص الطبيعي لديه أقل من 5.5%، بينما يكون لدى مريض السكري أعلى من 6.5%، في حين تصنف النتيجة بين النسبتين بـ(ما قبل السكري)».
مقاومة الأنسولين
ماذا عن مقاومة الأنسولين والسكري؟.. يفرز جسم الإنسان الأنسولين عند تناول الوجبات بكميات محددة، لكن انخفاض حساسية الأنسولين، الحالة التي تُعرف بـ«مقاومة الأنسولين»، يدفع الجسم إلى إفراز كميات أكبر من المعتاد من هذا الهرمون؛ لدفع خلايا الجسم إلى الاستجابة، وهي حالة تتفاقم مع الوقت، في حال إهمال علاجها، حيث يواصل الجسم زيادة إفرازه يوماً تلو آخر، مع ارتفاع مقاومة الخلايا للأنسولين؛ ليصاب الشخص – في نهاية المطاف – بالسكري من النوع الثاني. وتسبب هذه الحالات مضاعفات أخرى، مثل: ارتفاع ضغط الدم، ومستويات الكوليسترول الضار، والشحوم الثلاثية، إضافة إلى تكيس المبايض لدى السيدات. إلا أن «مقاومة الأنسولين» حالة يمكن تصحيحها؛ باتخاذ خطوات صحية وقائية مبكرة.
خسارة الوزن
مرض السكري قد يسبب، بحسب أخصائية الغدد الصماء والسكري الدكتورة سارة سليمان، مضاعفات عدة في حال إهمال إدارته بشكل صحيح، بينها «حمضية الدم». ورغم أن هذه الحالة أكثر شيوعاً بين مرضى النوع الأول، فإنها قد تحدث لدى مرضى النوع الثاني لأسباب عدة، مثل: الالتهابات، وتدهور وظائف الجسم. ويؤثر السكري، أيضاً، في الكلى والشرايين؛ إذ إن ارتفاع مستويات سكر الدم بشكل كبير يؤدي إلى حدوث تلفٍ في جدران الكلى والشرايين، وقد يقود إلى فشل كلوي كامل. بجانب ذلك، يرتبط مرض «الكبد الدهني» ارتباطاً وثيقاً بمرض السكري من النوع الثاني، إذ يعتبر الكبد مركز عمليات «الاستقلاب». وزيادة السكر في الكبد، دون منحه فترة راحة، تسبب تراكم السكر في الكبد على شكل دهون. وأفضل علاج لـ«الكبد الدهني» هو خسارة الوزن. في السابق، كان «الكبد الدهني» مصنفاً على أنه من مضاعفات السكري، إلا أنه يُصنف، اليوم، مرضاً بحد ذاته، إذ يمكن أن يتفاقم إلى تشمع الكبد، أو تليف الكبد، وربما أكثر من ذلك. لذا، يجب علاجه عن طريق تنظيم أنماط الحياة. وحتى في مراحل تليف الكبد، يمكن الشفاء من هذا المرض؛ عند خسارة الوزن.
ويؤثر السكري في العيون أيضاً، فرغم انخفاض مضاعفات السكري على العيون في السنوات الأخيرة؛ نتيجة زيادة الوعي بهذا المرض، فلايزال يعتبر السبب الأول للعمى عالمياً. لذلك، ولتجنب المضاعفات، يُوصى مرضى السكري من النوع الثاني بإجراء فحوص دورية على الكلى والكبد والعيون؛ لتجنب مضاعفات هم في غنى عنها، وكشف المرض في بدايته؛ بما يجعل عملية العلاج أكثر سهولة.
تُرى.. هل يأتي يوم قريب، يتمكن فيه مريض السكري، أينما كان، من أن يتعامل إيجابياً مع قدره؟
الثابت.. أن النقاش يجب أن يبقى مفتوحاً حول داء السكري؛ لأنه بـ«الأخذ والعطاء» تتكون المعرفة؛ التي هي مدخل إلى الوقاية أو الصداقة مع مرض؛ إذا أهمل يصبح أخطر بكثير مما تتصورون.
خسارة الوزن
يتساءل البعض: هل من شأن خسارة الوزن التخلص من السكري من النوع الثاني؟.. وقد توصلت دراسات إلى أن خسارة 15% من وزن الجسم، تساعد في التخلص من النوع الثاني من السكري، أو تخفيضه إلى أدنى الحدود الممكنة.
النظام الغذائي الأمثل
يفترض التخفيف من تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، التي تمدّ الجسم بالطاقة، للحفاظ على مستوى سكر طبيعي في الجسم. وينصح هنا المرضى، ومن هم على استعداد للإصابة بالمرض، بتغيير بعض العادات الغذائية؛ لأن الإكثار من الوجبات خلال اليوم، مع إدخال وجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسية، يحفّز نشأة «مقاومة الأنسولين»، لأن الجسم يقوم بمواصلة إفراز الأنسولين طوال اليوم، دون أي فترات راحة. وبالتالي، تبدأ الخلايا، تدريجياً، في تكوين «مقاومة الأنسولين»، فيصبح الشخص عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني. لهذا برز، مؤخراً، مفهوم «الصيام المتقطع» كنظام غذائي؛ لتصحيح حالة «مقاومة الأنسولين»، وإبعاد الجسم عن خطر الإصابة بالسكري.