ألقت دراسة حديثة نُشرت في مجلة ساينس Science، الضوء مجدداً على التغيرات التي تطرأ على عملية الأيض مع مرور الوقت. وتوصل الباحثون المشاركون في الدراسة إلى أن عملية الأيض تبلغ ذروتها في وقت أبكر بكثير وتنخفض في مراحل عمرية أبعد بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، مما يدحض الاعتقاد السائد بأن الإنسان يُصاب بالسمنة نتيجة تدهور معدل الحرق في منتصف العمر.
وركزت الدراسة الجديدة، التي أشرف عليها عالم الأنثروبولوجيا التطورية، البروفيسور المساعد في جامعة ديوك، هيرمان بونتزر، على تحليل البيانات الأيضية لأكثر من 6 آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين أسبوع واحد فقط و95 عاماً. واعتمدت الدراسة الأكبر من نوعها حتى الآن على بيانات تم جمعها من قبل فريق دولي من العلماء بما في ذلك بيانات بحثية من مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، التابع لمبادلة للرعاية الصحية.
وكشفت نتائج الدراسة أن إجمالي معدل حرق الطاقة (عملية الأيض) يكون أكثر استقراراً لفترة أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، حيث كان الاعتقاد السائد بأن التمثيل الغذائي في الجسم يبلغ ذروته في سن المراهقة ويبدأ في التباطؤ في منتصف العمر تقريباً، بيد أن الدراسة الجديدة وجدت أن إجمالي حرق الأشخاص للطاقة لكل كيلوغرام من وزن الجسم يبلغ ذروته في مرحلة الطفولة قبل أن يستقر في أوائل العشرينات من العمر ولا يتغير بشكل كبير إلا بعد سن الـ 60، حيث يبدأ في الانخفاض بنحو 0.7٪ سنوياً. ولم تسجل الدراسة أي تأثير هام للتحولات الكبرى في حياة الأفراد مثل سن البلوغ أو الحمل على إجمالي معدل حرق الطاقة.
وأوضح الدكتور نادر لسان، استشاري الغدد الصماء ورئيس قسم الأبحاث السريرية في مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، وأحد المشاركين في المشروع البحثي أن الجمع بين البيانات البحثية من مراكز متعددة في 29 دولة يُعد نهجاً جديداً وواعداً، حيث أن بعض النتائج التي تم التوصل إليها بالفعل من مجموعة البيانات الجديدة هذه غير متوقعة ومفاجئة للغاية. لافتاً إلى أن الدراسة أظهرت أن “إجمالي معدل حرق الطاقة يظل مستقراً وثابتاً خلال معظم فترات الحياة ويبلغ ذروته في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد، الأمر الذي يمثل اكتشافاً جديداً لم يكن متوقعاً. وتتمثل الخطوة التالية في البحث عن سبب حدوث ذلك وتأثيره على الطرق التي نتبعها لمعالجة اضطرابات التمثيل الغذائي مثل السكري والسمنة، بما في ذلك منهجيتنا التي نتبعها لتقديم خدمات الرعاية والعلاج للمرضى في دولة الإمارات العربية المتحدة.”
وحددت الدراسة 4 مراحل مختلفة لعملية التمثيل الغذائي خلال حياة الإنسان. فبعد طفرة أولية في مرحلة الطفولة، والتي تشهد قيام أجسام الأطفال بحرق سعرات حرارية بمعدل أسرع بنسبة 50٪ بالنسبة لحجم أجسامهم مقارنة بالبالغين، أظهرت البيانات أن التمثيل الغذائي يتباطأ بنحو 3٪ كل عام حتى يصل الشخص إلى العشرينات من عمره عندما تنخفض المستويات إلى المستوى الطبيعي الجديد. وعلى الرغم من الاعتقاد المقبول عموماً بأن التمثيل الغذائي يتباطأ في منتصف العمر، فقد وجدت الدراسة أن عملية الأيض خلال العقود الوسطى من العمر تكون الأكثر استقراراً على الإطلاق.
وعلى عكس الأبحاث السابقة واسعة النطاق التي تدرس معدلات التمثيل الغذائي الأساسية أو كمية الطاقة التي يستهلكها الجسم للحفاظ على الوظائف الحيوية، ركزت الدراسة الجديدة على دراسة المعدل الإجمالي لعملية التمثيل الغذائي لدى الأشخاص، وكمية الطاقة التي يستهلكونها طوال اليوم، وأثناء المشي والعمل وحتى التفكير. ومن أجل القيام بذلك، استخدم فريق البحث بيانات من دراسات تقنية “المياه ذات العلامات المزدوجة”، والتي تعتبر لفترة طويلة المعيار الذهبي لقياس مستويات حرق الطاقة يومياً في ظروف الحياة الحقيقية. ويقوم المشاركون في هذه الدراسات بشرب كمية من الماء يتم فيها استبدال ذرات الهيدروجين والأكسجين بنظائر “أثقل” بشكل طبيعي، وقياس معدل حرق الطاقة وسرعة تخلص الجسم من هذه المياه المعدلة.
وتمهد نتائج الدراسة الجديدة إلى جانب المجموعة الواسعة من البيانات الدولية التي تم جمعها الطريق لمزيد من البحث في عملية التمثيل الغذائي والظروف الصحية المرتبطة به.
واختتم الدكتور لسان بالقول: “ركزت أبحاثنا في مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري على دراسة الاحتياجات الصحية الأكثر إلحاحاً لسكان المنطقة، وتحديداً مرضى السكري والسمنة. ومن شأن نتائج الدراسة الجديدة أن تعزز قدرتنا على استكمال البيانات البحثية التي جمعناها سابقاً للحصول على رؤية وصورة أكثر دقة وتفصيلاً ومقارنة أوجه الشبه والخلاف على المستوى الإقليمي والعالمي – وهو أمر سيعود على مرضانا بفوائد ملموسة”.