تحقيق: راندا جرجس
يطلق على الجزء السفلي من الجهاز التناسلي الأنثوي «عنق الرحم» وهو المسؤول عن ربط الرحم بالمهبل، ويمكن أن تصاب السيدات بتبدلات غير طبيعية للخلايا الموجودة في هذه المنطقة، وتبدأ في التكاثر والانقسام بطريقة شاذة وبشكل خارج عن السيطرة مؤدية إلى الإصابة بأورام خبيثة، ولا يرافق هذه الحالة أعراض واضحة في المراحل المبكرة، لكنه يتسبب في حدوث مضاعفات خطِرة كلما تقدم المرض، وخاصة عندما يتمكن من غزو الأنسجة المجاورة وباقي أعضاء الجسم، مثل: الفشل الكلوي، والجلطات الدموية، والنزيف، والناسور، ويكون الألم شديداً إذا انتشر السرطان إلى النهايات العصبية والعظام والعضلات. وفي السطور القادمة يتحدث الخبراء والاختصاصيون عن هذا الموضوع تفصيلاً.
تقول د.شيماء حبيب، أخصائية أمراض النساء والتوليد: إن سرطان الرحم هو ثاني أكثر السرطانات شيوعاً بين النساء، وهو ينشأ في خلايا الجزء السفلي بعنق الرحم المتصل بمنطقة المهبل، وتلعب بعض السلالات المختلفة من فيروس الورم الحليمي البشرى والعدوى المنقولة جنسياً كداء السيلان وداء الزهري والإيدز والكلاميديا دوراً رئيسياً في إصابة معظم الحالات، كما تزيد نسبة الخطر مع وجود بعض العوامل المرضية الأخرى، مثل: ضعف الجهاز المناعي والتدخين.
وتشير إلى أن الإصابة بسرطان عنق الرحم لا يصاحبه دلالات أو مؤشرات واضحة في المراحل الباكرة، لكن مع تقدم المرض تبدأ الأعراض في الظهور، وتشمل النزف المهبلي بعد العلاقة الزوجية، أو بين الدورات الحيضية أو بعد انقطاع الطمث، والشعور بآلام متكررة في الحوض وأثناء التبول، ووجود إفرازات مهبلية مائية ودموية شديدة وغزيرة ورائحتها كريهة، انتفاخ البطن، والتعب العام وفقدان الشهية والوزن بدون مبرر، وآلام خفيفة في الظهر.
أسباب وعوامل
تلفت د.شيماء حبيب إلى أن عدوى فيروس الورم الحليمي تعتبر السبب الأبرز في الإصابة بسرطان عنق الرحم؛ حيث يهاجم هذا الفيروس الأغشية المخاطية والطبقات القاعدية في الجلد، وينجم عنه ظهور دمامل، وتجدر الإشارة إلى أن المرض ينتقل أثناء العلاقة الزوجية، ويضم حوالى 200 نوع معظمها غير ضار، لكن تتسبب الفئة السادسة عشر والثامنة عشر في حوالي 70% من إصابات السرطان بين النساء، ولذلك توصى المؤسسات الطبية العالمية بالالتزام بالإرشادات التوجيهية ونشر برامج التوعية بأهمية الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم، للوقاية من التغيرات محتملة التسرطن بداية من بلوغ الفتاة 21 سنة وحتى 65 سنة.
فحوص واختبارات
تذكر د.زرقا شاه، أخصائية أمراض النساء والتوليد، أن سرطان عنق الرحم يصيب على الأغلب النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 35 و44 سنة، ونادراً ما يظهر في الفئات الأقل من 20 سنة، ويتم التشخيص من خلال إجراء فحص شامل باستخدام منظار المهبل للتحقق من وجود خلايا غير طبيعية في المنطقة المصابة، وجمع عينات عن طريق الخزعة المثقبة وكشط باطن عنق الرحم، وعند التأكد من وجود المرض يقوم الطبيب باختبار حلقة الأسلاك الكهربائية أو اختبار الخزعة المخروطية، كما تفيد مزيد من الفحوص في تحديد مرحلة السرطان.
وتبين أن عدوى فيروس الورم الحليمي البشري هي العامل الأكثر خطورة للإصابة بسرطان عنق الرحم، وهناك أنواع مختلفة من هذا الفيروس الورم الحليمي البشري وليست جميعها تسبب السرطان، ومع ذلك، يرتبط النوعان 16 و18 بسرعة تطور هذا المرض، كما تزيد العلاقات الجنسية في سن مبكرة من نوع السرطان عالي الخطورة، وتلعب أيضاً بعض المشكلات المرضية دوراً مهماً مثل: ضعف جهاز المناعة، والهربس التناسلي، والتدخين، وتناول أدوية الوقاية من الإجهاض، كما يسبب استخدام ثنائي إيثيل ستيلبيسترول نوعاً معيناً من سرطان عنق الرحم يسمى «سرطان الخلايا الصافية».
طرق التداوي
توضح د.زينة مدلجي، أخصائية النساء والتوليد، أن سرطان عنق الرحم يتطور عادة لدى السيدات المريضات في صمت وبدون أعراض، وعلى الأغلب يتم اكتشافه في مراحل متقدمة، لذلك ينصح الخبراء بضرورة الفحوص الروتينية حتى يمكن الكشف عنه مبكراً، ويعتمد اختيار علاج سرطان عنق الرحم على نتائج الاختبارات والتشخيص، ونوع ومكان ومرحلة المرض ومدى انتشاره في الجسم وعمر المريضة ورغبتها في الإنجاب.
وتؤكد مدلجي أن التدخل الجراحي يعتبر الأفضل في معظم الحالات، ويكون إما جراحة مفتوحة أو بالمنظار، وتتراوح بين الاستئصال الجذري للرحم مع الأعضاء المجاورة، أو إزالة الرحم فقط، أو عنق الرحم، إلى الخزعة المخروطية التي تعالج المراحل المبكرة، وخاصة لدى السيدات اللواتي يرغبن في الحمل، ويمكن استخدام الليزر في بعض الحالات الجراحة؛ حيث يقوم بحرق الخلايا الشاذة وأخذ الخزعة لدراستها تشريحياً، ويمكن أيضاً استخدام العلاج بالتبريد لتجميد الخلايا.
وتلفت إلى أن هناك بعض الخيارات الأخرى التي يمكن أن تسهم في علاج سرطان عنق الرحم، كالعلاج الإشعاعي الذي يتم بطريقتين: الأولى يوضع فيها الجهاز الذي ينقل الأشعة داخلياً بالقرب من الخلايا السرطانية، أما الثانية فتكون عن طريق استخدام جهاز خارجي يرسل حزم شعاعية للمنطقة المصابة، ويمكن أيضاً استخدام العلاج الكيماوي؛ حيث يوجد عدد من الأدوية التي تفيد في القضاء على الخلايا السرطانية، وإبطاء نمو الورم والحد من حجمه قبل الجراحة، وإمكانية نكس الورم بعد الاستئصال، وتجدر الإشارة إلى أن هناك حالات تحتاج إلى الكيماوي والإشعاعي معاً.
وتشير إلى أن نسبة الشفاء من سرطان عنق الرحم يمكن أن تصل إلى 96% في حال تم اكتشاف الإصابة في المراحل الأولى وعلاجه بالشكل المناسب قبل انتشاره، لكن عند التشخيص بعد تقدم المرض فربما تنخفض معدلات الشفاء إلى 5%، وفي بعض الحالات يمكن أن يعاود السرطان إصابة السيدة بعد العلاج.
وتنصح بإجراء الفحوص الدورية الروتينية للسيدات، خاصة التي تعتمد بشكل رئيسي على إجراء مسحة عنق الرحم للنساء المتزوجات من 25 إلى 29 سنة بمعدل مرة كل ثلاث سنوات، ويمكن أن تتوقف النساء بعد سن 65 عن إجرائها إذا كانت جميع النتائج السابقة طبيعية، إضافة إلى اختبار فيروس الورم الحليمي البشري كل خمس سنوات.
لقاح وقائي
يعتبر فيروس الورم الحليمي البشري من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم، ولذلك ينصح الخبراء والاختصاصيون بأهمية إعطاء اللقاح المضاد للفيروس للذكور والإناث من سن 9 إلى 49 سنة؛ إذ أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية فاعلية هذا اللقاح في الوقاية من أخطر أربع أنواع من الفيروس والمسؤولة عن أغلب المرضى بهذا المرض وحماية 70% ممن لديهم عوامل خطورة تزيد من فرص الإصابة.