أصبح الذكاء الاصطناعي يضع بصمته على صناعة تلو أخرى، حتى وصل إلى عالم الأزياء. اليوم، بات الذكاء الاصطناعي يؤثر في الموضة بشكل كبير، ويوفر للشركات فرصاً جديدة لتبسيط عملياتها، والوصول إلى آفاق جديدة. في حين يشعر بعض الناس بأن “الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يتطابق مع الأصالة البشرية”، فكيف يمكن أن تكون التكنولوجيا مفيدة لمصممي الأزياء؟.. وما المخاطر؟.. والأهم من ذلك، ماذا يعني هذا لمستقبل الموضة؟
كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الموضة؟
قد يبدو استخدام الذكاء الاصطناعي في الموضة أمراً غير عادي بالنسبة للمستهلك العادي. لكن بالنسبة للمطورين والعاملين بهذه الصناعة، من السهل أن نرى كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي كثيراً، ويساعد المهتمين بمجال الموضة والأزياء على التطور والتوسع بشكل لا يصدق.
تماماً، كما يستخدم العلماء الذكاء الاصطناعي للكشف عن طفرات السرطان، يجد مصممو الأزياء ورجال الأعمال طرقهم الإبداعية الخاصة لاستخدام التكنولوجيا ذاتها، كما ذكرت مجلة فوربس أن الذكاء الاصطناعي في مجال الموضة، يمكن أن يسهل مجال إدارة التوريد بشكل كبير، ويحسن خدماته كلياً، إذ يمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال مستويات المخزون التاريخية وأداء المبيعات، للتنبؤ بالمبيعات المستقبلية، ويمكن للشركات اتخاذ قرارات أكثر استنارة حول ما يجب تخزينه، ومتى، وهذا يعني أنه يمكن أن تكون هناك نفايات أقل، وعملاء أكثر سعادة، وأرباح أعلى، وهذا مفهوم أقرب للموضة المستدامة، ما قد يعزز هذا الأسلوب في الكثير من الدول.
بالنسبة للشركات، قد تبدو فوائد الذكاء الاصطناعي الأفضل، لكن هناك دائماً جانب سلبي، ففي حين أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التنبؤ باتجاهات الموضة الناشئة باستخدام الخوارزميات، وفحص بيانات العملاء، لإنشاء قطع من المرجح بيعها، إلا أنها تعرض الإبداع البشري للخطر.
كيف سيتأثر عمال صناعة الأزياء بالذكاء الاصطناعي؟
من منظور تجاري بحت، قد يبدو استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأزياء أمراً لا يحتاج إلى تفكير. إن استخدام أحدث التقنيات لإرضاء العملاء، وإهدار موارد أقل أثناء الإنتاج، وزيادة الإيرادات، يمكن أن تكون الطريقة المثالية لهذه الصناعة، لكن ماذا عن الأشخاص الذين يعملون في مجال الموضة؟
من أكبر المخاوف في سيطرة الذكاء الاصطناعي على الموضة، هو العنصر البشري، فمع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على القيام بوظائف المصممين والمسوقين، وغيرهم من محترفي الموضة، هناك خطر من فقدان بعض الوظائف، إذ إن تاريخ الموضة كتب على يد أفراد مبدعين، تعانوا معاً لتطوير التصاميم الأكثر تفرداً، سواء عن طريق بدء اتجاهات جديدة، أو تحديث المفضلة الكلاسيكية، وليس الجميع على دراية بفكرة أن الروبوت يمكن أن يحل محل بعض أعمال الموهوبين في جميع أنحاء الصناعة.
مستقبل الأزياء مع الذكاء الاصطناعي:
يبدو أن عالم الأزياء والموضة سيشهد طفرة كبيرة، خلال السنوات القليلة القادمة، ويرجع ذلك إلى الذكاء الاصطناعي، ودوره في تعزيز الصناعة.
في كوريا، أجرى الباحثون دراسة وجدت أن البشر لديهم ميزة مقارنة بالذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بالأزياء وتصميم المنسوجات، وقد خلص التقرير إلى أن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد المصممين في العملية الإبداعية أكثر”، لكن لا يحل محلهم بالكامل، لذلك ربما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل جنباً إلى جنب مع المصممين، بدلاً من منافستهم.
بهذا المعنى، سيكون الجميع قادرين على أن يكونوا مبدعين أو مصممين بمساعدة نماذج الذكاء الاصطناعي. حتى الآن لم يتمكن سوى مصممي الأزياء المحترفين من تصميم الملابس وعرضها، لكن في المستقبل ستكون هناك إمكانية عالية لأي شخص أن يصمم الملابس التي يريدها، ويعرض إبداعه، في حين أنه من المرجح أن يضيف الذكاء الاصطناعي طبقة جديدة من التعقيد إلى الصناعة المتطورة، إلا أن الإبداع البشري قد لا يتكرر بسهولة.
ومن الأمثلة على وصول الذكاء الاصطناعي إلى عالم الأزياء، اعتماد مصمم الأزياء الياباني يويما ناكازاتو التقنية الحديثة أثناء عرض مجموعته للأزياء الحيوية في أسبوع الموضة الراقية بباريس، واستخدم ناكازاتو التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد، والآلات المخصصة لإنشاء ملابس فريدة لعملائه.
وقام المصمم الياباني بذلك عن طريق أخذ قياسات العميل أولاً، باستخدام ماسح ضوئي ثلاثي الأبعاد، قبل نقل البيانات إلى آلة تقطع مباشرة الأجزاء المختلفة من القماش لتجميع الملابس الكاملة، وبهذه الطريقة لا تضيع أي مادة، ويتلقى العميل بالضبط ما يريده بالحجم المثالي، ويقلل هذا النهج النفايات، ويساعد على معالجة قضايا الاستدامة داخل صناعة الأزياء.
مثال آخر على التعاون بين الموضة والذكاء الاصطناعي هو استخدام دار Coperni للروبوتات على مدرج عرض مجموعة خريف وشتاء 2024، ضمن أسبوع الموضة في باريس، إذ ظهر الروبوت الذي يعمل بتقنية تدعى “الذكاء الرياضي”، وهي أحد أشكال الذكاء الاصطناعي، أمام عارضة الأزياء الشهيرة Rianne Van Rompaey، ليدخلا في مواجهة شرسة.
ومن تدخلات الذكاء الاصطناعي في عالم الموضة، أيضاً، إقامة أول عرض أزياء مصمم بالكامل بواسطة هذه التقنية الحديثة، والذي نظم بمقر “سبرينغ ستوديوز” في مانهاتن، ليثير الجدل والقلق بين أوساط المصممين وعارضي الأزياء، بالحديث عن إمكانية إلغاء العنصر البشري تماماً من هذا المجال.
فوائد الذكاء الاصطناعي لعالم الموضة:
على الرغم من وجود العديد من التخوفات بشأن تدخل الذكاء الاصطناعي في صناعة الموضة والأزياء، فإنه لاتزال هناك فوائد لا يمكن إنكارها أو عدم التركيز عليها، ومن أبرزها:
1 . التوريد:
واحد من أبرز التأثيرات التي يتركها الذكاء الاصطناعي في مجال الموضة، هو إدارة سلسلة التوريد، حيث يمكن من خلال هذه التقنية إدارة مستويات المخزون والمبيعات، للتنبؤ بالمبيعات المستقبلية، وبناءً عليه تأخذ الشركات القرارات المثالية في توزيع منتجاتها، والتركيز على تحسين رضا العملاء، وزيادة الأرباح.
2 . التسويق:
طريقة التسويق باستخدام الذكاء الاصطناعي لها تأثير كبير في مجال الأزياء والموضة، فباستخدام أدوات التسويق التي تعمل بهذه التقنية، يمكن تحليل البيانات بشكل أدق مع تحديد أفضل استراتيجيات للتسويق، واستهداف العملاء المناسبين، وبالتأكيد ذلك يوفر المال والوقت واستباق المنافسين أيضاً.
3. التصميم:
مجال آخر من المحتمل أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير فيه، في ما يخص صناعة الموضة، هو عملية التصميم، فخوارزميات الذكاء الاصطناعي تتنبأ بالاتجاهات، وتحليل تفضيلات العملاء، ويمكن لشركات الأزياء إنشاء تصميمات من المرجح أن تكون شائعة في سوقها المستهدف، وتقليل خطر إنتاج تصميمات لا تباع.
4. تقليل النفايات:
على الرغم من أن العديد من مصممي الأزياء يتوقعون توسع مجال الموضة وانتشار المصممين، وبالتالي إنتاج كميات كبيرة من الملابس، فإنه على الجانب الآخر، هناك من يتوقعون تقليل حجم النفايات الناتجة عن الصناعة المُصنفة كثاني أكبر صناعة تسبب التلوث في العالم، بعد صناعة النفط، ومن المحتمل أن تصل لنسبة الصفر.