تتصدر المراكز والإجراءات التجميلية قائمة الإعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تزخر بآلاف الحسابات السورية لأطباء ومراكز تجميل تعرض خدماتها عبر صفحاتها، بالاعتماد على فنّانات أو شخصيات مؤثرة اجتماعياً من أجل الترويج لها في الكثير من الأحيان.
التجميل بات في متناول الجميع
لم تعد الاجراءات التجميلية حكراً على الشخصيات الفنّية وميسوري الحال، كما كانت قبل عقد من الزمن أو أكثر، وهو ما يشرح انتشار مراكز للتجميل في الأحياء والمناطق الشعبية أيضاً، بما فيها تلك العائدة لعلامات تجارية مشهورة محلّياً وعالمياً.
وتؤكد سارة الكنج، مالكة ومديرة أحد مراكز التجميل في دمشق، أن روّاد مركزها هم من طبقات اقتصادية مختلفة، “وماهية الخدمة المقدّمة هي ذاتها سواء للغني أو الفقير، لكن الاختلاف يكون في نوعية المواد المستخدمة”.
وتشرح الكنج في حوارها أن “تعدد الخيارات جعل من العناية بالجمال في متناول الجميع، كل حسب امكاناته المادية، فهناك من يفضّل المواد الأوربية أو الأميركية وهي الأغلى، والبعض يميل إلى المواد ذات المنشأ الكوري كحل وسط، أما الباحثون عن الكلفة المنخفضة فختاريون المواد الصينية”.
يؤيّدها في الرأي الطبيب طلعت البيك، أخصائي الأمراض الجلدية والتجميل، قائلاً “كطبيب عمل في 3 مناطق متفاوتة من الناحية الاقتصادية يمكنني القول بأن الإقبال على بعض الإجراءات التجميلية مثل إبر البوتوكس والفيلر في المناطق الشعبية أكبر من غيرها من المناطق”.
وبالكثير من الضحك يروي لـ بعضاً من تجاربه، التي تؤكد ازدياد الإقبال على الإجراءات التجميلية ومن قبل جميع الطبقات بالقول “أحد المرّات اتصلت بي امرأة طالبة مني إجراء حقن بوتوكس إسعافي لها، وعندما أبديت استغرابي من كون الطلب إسعافياً شرحت لي بأنها والدها بحاجة إلى عملية جراحية صباحاً وتود الذهاب إلى المشفى بحلّة جديدة. ومراجعة أخرى مع أطفالها الثلاث ظلّت تفاوضني على سعر إجراء تجميلي بتكلفة مليون ليرة سورية (200 دولار أميركي في حينه) طالبة التخفيض كونها أم لثلاثة أيتام هجرهم والدهم دون التكفّل بمصاريفهم”.
فيما يفسّر الطبيب مهيار متوّج، أخصائي الأمراض الجلدية والتجميل وزراعة الشعر، التنوّع الطبقي لدى مرتادي مراكز التجميل بالقول “الجميع يلبس البسة بعلامات تجارية مختلفة، ولكن فئة قليلة تستطيع اقتناء علامات تجارية معيّنة معروفة بأسعارها المرتفعة”.
الاهتمام بالجمال حق والهوس فيه مرض نفسي
وترجع الأخصائية النفسية الدكتورة غالية سعيّد الإقبال الكبير على مراكز التجميل رغم الضائقة الاقتصادية إلى أسباب نفسية وأخرى ظاهرية.
وتشرح سعيّد أن “الأسباب النفسية ترتبط بعدم الثقة بالنفس أحياناً ورفض تقبّل الواقع أو التقدّم في العمر وما له من انعكاسات على شكلنا. أما الأسباب الظاهرية فتلك المتعلّقة بالمجتمع وانتقاداته اللاذعة أو الكلمات السيئة التي قد تطلق أحياناً في وجه بعض السيدات لعدم اهتمامهن بأنفسهن سواء كنصيحة أو انتقاد”.
مضيفة “ولا ننسى دور الفنانين والممثلين والمؤثرين في منصّات التواصل الاجتماعي، الذين ينشرون انطباعاً بحتمية القيام بالإجراءات التجميلية”.
وترى سعيّد أن “الاهتمام بالجمال هو حق وواجب على كل انسان، شريطة ألا يتحوّل إلى هوس يلازمه بشكل يومي. هذا الهوس ولّد أشكالاً تجميلية تشبه بعضها بشكل كبير وبطريقة مبالغ فيها. يجب أن يكون الاهتمام بالجمال في الحد الطبيعي، أما تحوّله إلى متلازمة مرضية فيستدعي تدخّلاً لعلاجه نفسياً ودعم المريض ومساعدته على استعادة ثقته بنفسه”.
ويؤكد الطبيب متوّج أن “حقن البوتكس و الفيلر الأكثر طلباً من بين الإجراءات التجميلية، وشد الجلد عن طريق الخيوط الأقل إقبالاً”.
التجميل ليس حكراً على النساء فقط
لم يعد الاهتمام بالجمال وارتياد مراكز التجميل حكراً على الإناث، كما كان متعارفاً عليه سابقاً، بل بات الرجال يشاركون النساء في العديد من الإجراءات التجميلية، كالعناية بالبشرة وحقن البوتوكس، وازالة الشعر، وصولاً إلى العمليات الجراحية.
وتشير الكنج إلى أن “معظم العاملين في مجال الفن والإعلام من الذكور يفضّلون إخفاء تجاعيد الجبين والوجه، كما أن تحديد الذقن بواسطة الليزر من الإجراءات التجميلية الرائجة جداً لدى الشباب، بالإضافة إلى عمليات ربط المعدة، حيث نرى الذكور أكثر إقبالاً عليها”.
وتعتبر د. سعيّد أن “الذكور أيضاً باتوا في السنوات الأخيرة يهتمّون بالتجميل، نتيجة ذات الدوافع الموجودة لدى الاناث. فقد بات الذكر يعتبر أن علامات الجمال تكمن في إخفاء الشيب في شعره، وإخفاء تجاعيد جبينه ووجهه، والسبب ليس المجتمع والسوشل ميديا فقط، بل الكثير من النساء يدفعن أزواجهن إلى القيام بإجراءات تجميلية خاصة في حال وجود تفاوت عمري بين الزوجين”.
وبالنسبة لأعمار المرتادين، تؤكد الكنج على أن “الاهتمام بالبوتوكس ونفخ الشفاه لم يعد حكراً على سقف عمري، الكثير من البنات اللواتي تجاوزن سن 18 بتن يرتدن مراكز التجميل من أجل اجراءات الحقن، بالإضافة إلى تغيير لون البشرة أو العناية بها”.
اجراءات الحقن، بالإضافة إلى تغيير لون البشرة أو العناية بها”.
سوريا الأرخص بين دول الجوار
تعتبر سوريا من أرخص الدول عربياً وإقليمياً في إجراءات وعمليات التجميل وفق تأكيد الأخصائيين.
مؤخراً، يشهد أعداد الزوار العرب إلى دمشق للقيام بعمليات التجميل ارتفاعاً ملحوظاً، خاصة من الجنسيتين اللبنانية والعراقية. وترجع الكنج السبب في ذلك إلى تدني الأجور التي يتقاضاها الأطباء في سوريا مقارنة بزملائهم في الخارج، وتدني أجور اليد العاملة، بالإضافة إلى الاعتماد على الكم لتحقيق الأرباح.
ويعتقد البيك أنه “في حال تعافي البلد من آثار الحرب واستعادته للأمن، من المؤكد أننا سنشهد توافد أعداد أكبر من المراجعين لمراكز التجميل، أو ما بات يعرف بالسياحة التجميلة، خاصة وأن الطبيب السوري مشهود له خبرته وكفاءته في الخارج “.
كما يؤكد متوّج على إمكانية استقطاب سوريا لوفود السياحة التجميلية “شريطة تأمين البيئة الاقتصادية والسياحية اللازمة بالإضافة إلى تقديم الدولة للتسهيلات المطلوبة”، وهو ما يمكن أن يشكّل قطّاعاً رديفاً للدخل الوطني في ظل الاقتصاد المتآكل نتيجة الحرب والعقوبات الغربية المفروضة على البلاد.