
يصادف 18 من سبتمبر، الذكرى الـ 48 لتولّي صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، مقاليد الحُكم في إمارة الفجيرة، خلفاً لوالده المغفور له الشيخ محمد بن حمد بن عبدالله الشرقي، رحمه الله، ليُكمل مسيرة بناء الوطن وتطوير أساساته في جميع المجالات التي يرتكز عليها بناء الوطن وتنميته المستدامة، ويشكل هذا التاريخ مناسبة وطنيّة مهمة في مسيرة دولة الإمارات، وإمارة الفجيرة، ويحكي تاريخاً حافلاً بالبذل والعطاء والمسؤولية، ويسطّر سجلاً وطنياً مليئاً بالإنجازات المحلية والعالمية التي ساهمت في تعزيز مكانة دولة الإمارات على خارطة الدول الأكثر تقدماً في العالم.
خطوات متسارعة
منذُ تولّي صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حُكم إمارة الفجيرة، خطَت الفجيرة خطوات متسارعة نحو تنمية الإنسان وتطوير العمران، بفضل الرؤية الحكيمة، والمتابعة الحريصة، والإرادة الثابتة لسموّه في تنفيذ الخطط التنموية في الاقتصاد والتعليم والثقافة والعمران والصحة، والعمل الدؤوب في تخطيط وتنفيذ المشاريع التطويرية التي وضعت الإنسان على رأس أولوياتها، حتى أصبحت اليوم أرضاً خصبة للاستثمار الاقتصادي، ووجهة الثقافة المنفتحة، والسياحة الناجحة، وأرض الثروات البيئية الطبيعية، والمدينة الأولى في الأمن والأمان والاستقرار المعيشي.
القائد الوالد
ينبثقُ أسلوب صاحب السمو حاكم الفجيرة، في القيادة والإدارة، من رؤيةٍ اتحاديّةٍ امتدت على مدار ما يربو على 50 عاماً من الحكمة والريادة الفكرية التي أسّس لها الآباء الأوائل للاتحاد، تحت راية الوحدة الوطنية، ومبادئ استشراف مستقبلٍ أفضل للمنطقة، وإيلاء الإنسان المركز الأول في الرعاية والخدمات المعيشية وتوفير سُبل الحياة الكريمة لكل من يعيش على أرض الإمارات.
وقد حرص سموّه، على نقل هذا الامتداد الوحدوي، والمنهج الوطني، وترسيخه في قلب كل من يحيط به، ابتداءً من أفراد المجتمع وحتى مؤسساته التي أوجِدت لخدمة الشعب، عبر تسخير كل الموارد والإمكانيات لبناء مجتمع متماسك يحظى أفراده بالوعي والتمكين، ويسهم بفاعلية في تحقيق نهضة حضارية متميزة، تطبيقاً لدستور دولة الإمارات الرصين، ورؤية قادتها المخلصين وحكمة مؤسسيها الأوائل، على خُطى سديدة منذ قيام الدولة حتى اليوم.
البداية
شَبَّ صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي على حب التعلم والمعرفة، وتشرّب مبادئ القيادة وأساليب بُعد النظر، مُستقياً تلك السّمات الشخصية الفريدة من والده المغفور له الشيخ محمد بن حمد بن عبدالله الشرقي، رحمه الله، ومتداخلاً مع بيئته التي وُلد وترعرع فيها على أرض الفجيرة الزاخرة بمعاني الثبات والعزم والطموح الذي لا يعرف حداً ولا مستحيلاً.
وقد حرص الأب الوالد على أن يحصل ابنه على المعارف الضرورية لبناء شخصيته وتكوين ذاته، فتلقّى سموّه تعليمه الأول في المدرسة الصباحية بالفجيرة، ثم غادر سموّه الوطن شاباً لإكمال دراسته العليا في اللغة الإنجليزية والعلوم العسكرية، ليكون شريكاً في رحلة البناء والتطوير.
ومنذ عودة سموّه إلى أرض الوطن، بعد استكمال دراسته الجامعية في كلية «لندن كوليج»، وتخرجه من كلية «هندن» العسكرية، وكلية «مونز» التي تم دمجها لاحقاً بكلية ساند هيرست العسكرية في المملكة المتحدة، حرص صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي على الاهتمام بشؤون الإمارة، والانخراط في مجالات العمل الميداني لتطوير المنطقة الناشئة، متدرّجاً سموّه في المناصب التي تولّى مهامها، فحين كان ولياً للعهد تمّ تعيينه في منصب قائد الشرطة والأمن في الفجيرة، ثمّ عُيّن سموّه وزيراً للزراعة والثروة السمكيّة بعد قيام الاتحاد في أوّل تشكيلٍ وزاريٍ للحكومة الاتحادية في التاسع من ديسمبر عام 1971، حيث نشطت بقيادة سموّه مشاريع الإنتاج الزراعي وبرامج دعم المزارعين والاستفادة من التجارب الدولية لإنجاح منظومة التنمية الزراعية والحيوانية في البلاد.
وبعد وفاة المغفور له، الشيخ محمد بن حمد بن عبدالله الشرقي عام 1974، وخَلَفاً لوالده، تولّى سموّه حُكم إمارة الفجيرة، ليبدأ بعقله الراجح، وشكيمته المتّقدة، وفطنته العالية، عهداً جديداً في تاريخ المنطقة، ويُكمل مسيرة بناء الوطن، ونمائه، ونهضته.
عهدٌ جديدٌ
شهدت إمارة الفجيرة، على مدى 48 عاماً، سلسلة متلاحقة من المشاريع التطويرية التي تم العمل عليها لخدمة أبرز المجالات الحيوية التي تلامس احتياجات أفراد المجتمع، وكان في قائمتها مجال التعليم، فمنذُ تولّي سموّه مقاليد حُكم الإمارة، وجّه سموّه بالاهتمام بالتعليم، وتسخير كل الإمكانيات والموارد التقنية والبشرية لتشكيل منظومة تعليمية متكاملة تلبّي حاجة أفراد المجتمع لاكتساب العلوم والمعارف، حيث آمن سموّه بأهمية التحصيل العلمي، والتصدّي لدهاليز الجهل بنور العلم والمعرفة، حيث كان سموّه يُكرّم الطلبة المتفوقين، ويستقبل الوفود العلميّة في مجلسه، ويزور المدارس ويوجّه بنقل المعارف إلى المجتمع والاستفادة منها.
تلى ذلك عدد من المشاريع التي تدعم العملية التعليمية في الفجيرة، حيث افتتح سموّه مبنى مجمع كليات التقنية العليا للطالبات عام 2000م، ثم افتتاح مبنى المجمع للطلبة عام 2005م، وجامعة الفجيرة في 2006م، وإنشاء مجلس رعاية التعليم والشؤون الأكاديمية ضمن هيكل حكومة الفجيرة المحليّة بمرسومٍ أميريٍ رقم (4) لسنة 2005م، بهدف خدمة الطلبة في الإمارة والوقوف على احتياجاتهم، بالإضافة إلى توجيه ودعم سموّه في بناء المدارس في مختلف مناطق الفجيرة، ومؤسسات التعليم العالي التي توفر مختلف أنواع التخصصات العلمية.
وجهة فنيّة وثقافية
وانطلاقاً من إيمان صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، بمكانة الفنون الإنسانية والثقافة في تطور المجتمع ونهضته، فقد تميزت الفجيرة خلال العقود الماضية بمبادراتها الاستثنائية التي تعزّز مكانة الفن باعتباره القيمة الجامعة والمشتركة لشعوب الأرض، وخدمة الثقافة كركيزةٍ من ركائز التطور الإنساني ورفع وعي المجتمعات المتقدمة.
ومن هنا، وبدعم ورعاية سموه، انطلقت المشاريع الثقافية والفنيّة الدولية لخدمة هذا المجال، وكان أولها مهرجان الفجيرة للمونودراما الذي اعتبر أحد أهم المهرجانات المسرحية في العالم، والذي توسّع لاحقاً ليؤسس لمهرجان الفجيرة الدولي للفنون، بالإضافة إلى إطلاق جوائز الإبداع العربية، والمسابقات الثقافية، وتأسيس الجهات الراعية للفن والفنانين كأكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة، لتقدّم إمارة الفجيرة إلى العالم وجهها الحضاري الأصيل، وكنوزها الفكرية والفنيّة الخلّاقة، التي جمعت جذور العالم على أرضها بفضل رؤية صاحب السمو حاكم الفجيرة، وشخصيته المؤمنة بقيمة الانفتاح الثقافي ومشاركة التجارب الإنسانية بين شعوب العالم.
الإنسان.. أولاً
طوال سنوات حُكم سموّه، كان الأب الموجّه والقلب الحاني على أفراد شعبه من الكبار والصغار، حاضراً في مناسباتهم ومشاركاً إياهم أفراحهم وأتراحهم، محتفياً معهم بإنجازاتهم، ومشجعاً لهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، إيماناً من سموّه بقيمة بناء الإنسان، وتوفير العيش الكريم له، وأهمية تنمية الموارد البشرية واستثمارها للمساهمة الفاعلة في مسيرة بناء الوطن وتحقيق تنميته الشاملة، كما اعتاد سموّه بشكل دوريّ على زيارة المواطنين في منازلهم، وتلبية دعواتهم، ورعاية أحوالهم، والاستماع إليهم والوقوف على شؤونهم والنظر في احتياجاتهم المعيشية، كما أشرف سموّه بشكلٍ شخصيٍ على العديد من المشاريع الميدانيّة والتطويرية في جميع مناطق الإمارة، وتابع سير العمل فيها، موجّهاً ومُشيداً ومشجعاً، مجسّداً بذلك صورة القائد الميداني الحريص على مصالح وطنه وشعبه.
وقد وقف صاحب السمو حاكم الفجيرة وقفةً إنسانيةً وأبويّةً مشهودة مع أسر شهداء الإمارات البررة من منتسبي القوات المسلحة الإماراتية، الذين ضحّوا بأرواحهم تلبيةً لنداء الوطن وحفظاً للأمن والاستقرار، وتقدّم سموّه في مناسبة يوم الشهيد الذي أقيم في واحة الكرامة بأبوظبي 2021 ليُكرّم عدداً من ذوي الشهداء «بوسام الشهيد» تقديراً لبطولاتهم في ميادين الشهامة والشرف.
صدارة عالمية
في أغسطس 2022، حققت إمارة الفجيرة المركز الأول عالمياً في مؤشر الأمن والأمان والاستقرار المعيشي بحسب تقرير موقع الإحصائيات الرسمي الأمريكي «نومبيو»، متصدرة 466 مدينة من حول العالم بنسبة فاقت 93 في المائة.
ويجسّد هذا الإنجاز تحت قيادة صاحب السمو حاكم الفجيرة مستوى جودة الحياة الآمنة التي يحظى بها المواطنون والمقيمون على أرض الفجيرة، كما يعكس تكامل الجهود والعمل الجاد للمؤسسات الأمنية والشرطية والمجتمعية بتوجيهات سموّه، لتكون الفجيرة المدينة الأقل إقليمياً في نسبة الجريمة والحوادث المقلقة بحسب إحصائيات القيادة العامة لشرطة الفجيرة، والوجهة الأكثر تفضيلاً للسكن والاستقرار المعيشي والاستثمار العالمي.
البناء والتطوير
برزت في عهد صاحب السمو حاكم الفجيرة العديد من مشاريع البنية التحتية، والتطوير العمراني، التي ساهمت بشكلٍ مباشرٍ في خدمة الأفراد ورفع جودة حياتهم وتسهيل تنقلهم بين مختلف مناطق الإمارة التي تمتد على مساحتها الشاسعة، حيث وجّه سموّه بإنشاء شبكة الطرق الرئيسية والداخلية وتطويرها داخل المدينة والمناطق التابعة لها وتزويدها بالخدمات الضرورية.
كما قفزت الفجيرة قفزات مشهودة في مجال العمران والبناء حيث شمَخت الأبراجُ والمباني الشاهقة جنباً إلى جنب مع المعالم الأثريّة التي تزخر بها مناطق الفجيرة من القلاع والحصون التاريخية، وبيوت التراث، والمعالم الأثريّة القديمة التي وجّه سموّه بترميمها، والمحافظة على تاريخها وأصالتها لتُبرز حضارة المكان وتُعيد حضور الزّمان، وتستقبل الزوّار والسيّاح لتعرّفهم على تفاصيلها الزاخرة وتنقل صورة حول حياة الإنساني الذي عاش فيها عبر القرون.
وتسارعت وتيرةُ العمل في استغلال الموارد البيئية والمواقع السياحية الطبيعية التي تنتشر في مختلف مناطق الفجيرة، ومن ذلك استثمار المناظر الخلابة للشواطئ الممتدة والمواقع البحرية والجبلية في إنشاء المزيد من وجهات السياحة الخدمية كالفنادق والمنتجعات السياحية والمواقع الترفيهية والخدَميّة لتحقيق تجارب فريدة للمقيمين والزوّار.
ومن المعروف أنّ إمارة الفجيرة تضم عدداً من المحميات البرية والبحرية التي تحتوي على كائنات حية فريدة، وقد أولت حكومة الفجيرة بمتابعة صاحب السمو حاكم الفجيرة اهتماماً منقطع النظير للمحافظة عليها، ومنها العمل في مشروع حدائق الفجيرة للشعاب المرجانية المستزرعة بهدف حماية البيئة البحرية وتنمية مواردها وتنشيط الجانب السياحي فيها.
وقد أعلن في مارس 2022 عن إدراج محمية وادي الوريعة الوطنية في الفجيرة كأول محمية جبلية وأول متنزه وطني في الدولة ضمن القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في إنجازٍ وطنيٍ جديدٍ في قطاع العمل البيئي، يعكس حرص حكومة الفجيرة، ممثلةً بصاحب السمو حاكم الفجيرة، وبالتعاون مع المؤسسات المعنية، على إبراز وتقدير التنوع البيولوجي الذي تحظى به إمارة الفجيرة، والمسؤولية الكبيرة تجاه المحافظة على بيئاتها الطبيعية الزاخرة بالحياة الفطرية التي تسهم بشكلٍ مباشرٍ في حفظ التوازن البيئي في المنطقة والعالم.
نشاط اقتصادي
وبفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، شهدت إمارة الفجيرة نشاطاً اقتصادياً كبيراً في مجال الصناعات البترولية والملاحة البحرية، وتم إصدار العديد من المراسيم لتأسيس المؤسسات الاقتصادية الضخمة التي تعنى بتطوير الإمارة في هذا القطاع الحيوي.
فقد تم افتتاح أول مصنع للصوف الصخري على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1982م، والذي يصنّف اليوم كأكبر شركة للمواد العازلة في الشرق الأوسط تعمل على توريد وتزويد الدول حول العالم بمواد العزل المستهلكة في قطاع البناء.
كما أولى صاحب السمو حاكم الفجيرة اهتماماً كبيراً لقطاع الثروة المعدنية والصناعات التعدينية لما تحتويه بيئة إمارة الفجيرة من مواقع طبيعية زاخرة بالأحجار والمواد الخام وانتشار شركات المحاجر والمقالع التي باتت تلعب دوراً محورياً في إمداد الشركات بمواد البناء وتلبية متطلبات السوق العالمي، وإسهامها المباشر في دعم الاقتصاد الوطني وتنشيط القطاع العقاري على مستوى الدولة وخارجها.
وفي عام 1987م، أصدر سموّه مرسوماً أميرياً بإنشاء المنطقة الحرة بالفجيرة، وقد عملت منذ ذلك الحين جنباً إلى جنب مع ميناء الفجيرة، في تبنّي سياسة التنويع الاقتصادي وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية عبر استقطاب الاستثمارات الأجنبية والشركات العاملة في مختلف أنواع الصناعات الحيوية، لتصبح اليوم من المؤسسات الاستراتيجية الشريكة في اقتصاد الإمارة ودعم ناتجها المحلي.
كما أصدر سموه مرسوماً أميرياً عام 2011 بإنشاء منطقة الفجيرة للصناعات البترولية (فوز)، على أن تتولى الاهتمام بتنظيم الصناعات البترولية وعمل مصافي تكرير ونقل وتخزين النفط، ووضع استراتيجيات الاستثمار في المنطقة، وبفضل متابعة سموه الدائمة لمشاريع المنطقة البترولية وميناء الفجيرة وتوجيهاته السديدة باستثمار أفضل الفرص والمشاريع؛ احتلت الفجيرة المركز الثاني عالمياً في مجال تزويد السفن بالوقود، حيث تعمل طوال عقود كموقع اتصالٍ استراتيجيٍ للنقل البحري بين الشرق والغرب.
وفي عام 2012م، أعلن صاحب السمو حاكم الفجيرة عن بدء عمليات تصدير النفط عبر مشروع خط حبشان – الفجيرة من أبوظبي إلى الفجيرة، في خطوة أمنية واقتصادية أضافت إلى رصيد الإمارة في خططها البنّاءة.
كما يتابع سموّه، مراحل العمل في مشروع «قطار الاتحاد» الذي يمر عبر إمارة الفجيرة، ويحرص سموّه على تقديم كل أشكال الدعم لإنجاز العمل وتسهيله في أضخم مشروع للنقل البري في الدولة، باعتباره إنجازاً عالمياً جديداً للإمارات في مجال التوريد والنقل والخدمات اللوجستية.