ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي بدورته 18 ، أقامت اللجنة المنظّمة للمهرجان صباح اليوم ، ندوة فكرية
تحت عنوان “تراث الشعر وحاضره”، في بيت الشعر بالشارقة، بحضور سعادة الأستاذ عبدالله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، الاستاذ محمد القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية بالدائرة، و الأستاذ محمد البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة ، قدّم المشاركون فيها قراءات في الشعر العربي القديم والحديث، و مناقشة عدد من القضايا التي تشغل الباحثين في الشعر العربي،
ومحاولة البحث عن إجابات شافية عن تساؤلات عن العلاقة بين الشعر القديم والشعر الحديث.
بدأت بجلسة أدارها د. حاتم الفطناسي، وقدّم فيها د. محمد مصطفى أبوشوارب، من جامعة الإسكندرية بحثاً
حمل عنوان “تجليات التراث الشعري في الشعر العربي الحديث.. قراءة في محاولات استعادة الشعرية العربية”؛ وقال “يبدو أن الشاعر العربي القديم كان يدرك في أعماقه مدى تشابك الوشائج الكثيفة التي تربطه بتراثه الشعري، وتجعله غير قادر على الانفصال عنه أو الانقطاع عن تجاربه
التي كان عليه في بداياته الفنية على الأقل ـ أن يتخذها مُثُلًا عُليا ونماذج يحتذي أثرها في سبيل صقل موهبته وإثرائها وإذكاء جذوتها؛ بحفظ نصوص الشعراء السابقين وروايتها.
دائرة مغلقة
وحمل بحث الدكتورة آمنة بلّعـلـَــى، من جامعة تيزي وزو – الجزائر عنوان “الوعي الأنطولوجي في علاقة الشعر
العربي المعاصر بتراثـه”، وقالت “ظل الحديث عن علاقة الشعر العربي المعاصر بتراثه، في منظومتنا الفكرية العربية، يشوبه كثير من الاختلاف والاضطراب والتناقض الذي لم يخرج عن الدائرة المغلقة، التي يراوح فيها التفكير النظري مكانه، ولا يتجاوز فيها الاشتغال النقدي مجال
الجزئيات والتمرّن على المناهج المحايثة، وهو ما يفسّر غياباً نقدياً يضاهي الثراء الذي نراه في المشهد الشعري العربي المعاصر، منذ أكثر من نصف قرن، من ثورة الحداثة الشعرية. ذلك أن العلاقة مع التراث تعدّ إشكالية مركّبة، وهذه الإشكالية تطرح أسئلة عدة، ترتبط بصميم
الوعي الأنطولوجي في علاقة الشعر العربي المعاصر بتراثه.
وفي ورقته الموسومة “الشعرية الجديدة، وتناغم الأنساق”، تحدّث الدكتور مجدي الخواجي، من جامعة جازان السعودية
عن سؤال الصراع، والتشاركية، وتمحور بحثه حول الشّعرية العربية الجديدة في تناغمها مع أنساق الموروث الشعري، إذ “تتخذ من نظرية الشعرية المعرفية الموزعة ومنافذها النقدية منهجاً للإجراء والتطبيق، حيث تُشيَّد وفق نظام تشاركي يتفاعل فيه الذهن والعالم والجسد، فتتجلى
المقصديات والملفوظات في سياق المجاورة الشعرية الموسومة بالتعاون أو الصراع، بمستويات التطابق أو التنافر أو التناسب أو التوازي وفق منافذ العوالم المتجاورة، ضمن منظور التحكم الآلي الذي لا يقصي التنافذ مع الأنساق الخارجية للمتلقي والمبدع ولمبدعين آخرين محتملين
في نطاق تواصلي محوسب، بل يجمع بين المحلي والعربي والكوني ويعززها في سياق أكثر جاذبية وإثارة.
وتساءل عن الوصل بين الحاضر الشعري وموروثه”؟ أو “ربط اللاحق الشعري بالسابق”؟ مجيباً “لا بدّ أن نقرّ
بدءاً بأن تطور المعلوماتية وأنظمتها قد شكل تمفصلات معرفية مهمة جداً تتعلق بمعمار المعارف ومعمار الذهن البشري في آن، حيث انطلقت هاتيك الأنظمة نحو التوازي اللوغاريتمي، مروراً بالتوازي الرقمي ووصولاً إلى التوازي الرمزي؛ ما يؤكد أنساقاً بنائية في الذكاء البشري
والذكاء الاصطناعي كذلك. وهذا ما عززته الأبحاث المتطورة في البيولوجيا التي تؤكد أن الدماغ متواز؛ ما يؤشر معرفياً إلى أن الذهن متواز كذلك، وبالتالي فالمعرفة متوازية تضع الرؤى والمنافذ الدلالية في عجرات (مواقع) موزعة على تلك الخطوط المتوازية”.
واختتمت الجلسة بمناقشات مع الحضور.
وفي الجلسة الثانية التي أدارها د. بهاء عبدالمجيد،
ملامح تراثية
قدم د. حسن مطلب المجالي، مقاربة نصّية قامت على استدعاء شخصية امرئ القيس، في شعر عزّ الدين المناصرة،
ومحمود درويش، ضمن حركة المثاقفة مع التراث العربي القديم التي بدت بوصفها ظاهرة من أجلى ظواهر الحداثة الشعرية العربية ، وقال “شخصية امرئ القيس من أكثر الشخصيات الشعرية إغراء للشعراء المعاصرين الذين وجدوا في شعره وحياته ما يصلح للاستدعاء إلى حومة نصوصهم، فهي
شخصية اتسمت بتعدد أبعادها وذات أوجه: وجه اللاهي غير المبالي، ووجه الضائع الشريد، ووجه النادب المفجوع، ووجه الموتور الساعي وراء الثأر، ووجه اليائس المهزوم. ولذا فقد سجلت حضوراً لافتاً في نصوص كثير من شعرائنا المعاصرين”.
وحمل بحث أ.د نور الهدى باديس، من جامعة تونس – كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية عنوان “البيان معيار
الإبداع ومؤصل للتراث في الشعر العربي الحديث”، ورأت به “أن العلاقة بين الشعر الحديث والشعر القديم علاقة تواصل واستمرار وتكامل، وأن البيان معيار متحكم في كل أنماط المخاطبات، وفي مختلف وسائل التعبير عن الوجود وعن المعاني”. وأكّدت أن “أنماط القول تتغير بتغير الزمان
والمكان، وأصناف المتلقّين والمخاطبين وظروف التلفظ والمقامات والسياقات. ولكن كل خطاب في النهاية مطالب بتحقيق أمرين أساسيين ولاسيما الخطاب الشعري، وهما الجمال والإفادة في آن؛ فالمعاني تكاد تكون متشابهة في الشعر القديم والحديث، وما اعتماد الصور المخصوصة والأشكال
الوجيزة في بعض الأشعار الحديثة إلا سعي من أصحابها، لتحقيق مبدأ الإفادة وسرعة الاستيعاب والتقبل من المتلقين. فالصيغ المختلفة والإيقاع المتجدد وهندسة الرسم وتفاعل الفنون المختلفة كلها من العلامات المضيئة والمميزة لهذا العصر، وما الثورة على الأشكال القديمة في
بنية القصيدة أو نظام الأبيات إلا سعي إلى التجدد، ولكنه تجدد منبثق من القديم وفيه سعي متواصل إلى إحيائه بأشكال مختلفة وطرق متعددة تجدد فيه الكثير من الحرية، ولكنها حرية محدودة محكومة بسلطان البيان الذي أساسه الفهم والإفهام، ولذلك كان الغموض مقبولاً ومستحسناً
في الشعر الحديث، لكن لا يقبل أبداً أن يتحول ذلك إلى تعمية والتباس. فذلك من شأنه أن يقيم سداً منيعاً بين الشاعر ومتلقيه، فيقحمه في “مدار الرعب” والارتباك والخوف الناجم عن سوء الفهم وعدم تحقق البيان ومن ثم الفهم والإفهام”.
ثم فتح مدير الندوة باب المناقشات مع الحاضرين الذين أثروها بمداخلاتهم، واستفساراتهم، هذا و كرم سعادة الأستاذ عبدالله العويس الشعراء المشاركين في المهرجان.