بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
لا زلت أشعر بالحنين لأمى رغم تجاوزى الثمانين من العمر .. هذه المقولة للأديب العالمى نجيب محفوظ تلخص جملة من أرقى وأسمى المشاعر التى فطر الله الناس عليها فى محبة الإبن لأمه والعكس .
هذا الرباط المقدس الذى يبدأ فى أطهر ما خلق الله فى جسد المرأة وهو الرحم والذى جعله الله رمزاً لأقوى الروابط التى تربط المخلوقات بعضها ببعض وليس البشر فقط ، الأم هى مهد الحياة ونبع الرحمة والجمال وبها تُرحم الخلائق ، لقد اختص اللهُ الأمَ بمكرمة وفضيلة إذ يقول فى كتابه الكريم ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ثلاثون شهراً من المعاناة التى تفوق الإحتمال لولا لطف الله والمحبة التى يلقيها الله فى قلب الأم بولدها والتى تستعين بها على أداء أمانتها وتظل تلازمها تلك المحبة العظيمة حتى نهاية عمرها .
فلا عجب إن قلنا أن ما يقدمه الأب لأبنائه لا يمثل قطرة فى بحر تضحيات الأم العظيمة ، لا شئ يدنو من هذه الرتبة العالية التى لا تعلوها الرُتب ، لذلك نجد فى كل مجتمع على وجه الأرض إرتباط الأبناء بأمهم أكثر من الأب وهذا ليس من باب الصدفة ولكن لأنها فطرة وإرادة إلهية تعوض الفارق بين الأب والأم .
هذا الفارق الذى يتمثل فى قوة الأب جسدياً و مادياً ، فالرجل يملك السلطة والخيارات التى تعوضه بعض النقص فى المشاعر وترضى ذاته وأنانيته أحياناً ولكن الأم تعطى بلا حدود وبعفوية وتضحى فلا ينخدع الصغير لأنه يعيش فى حنان أمه وكنفها وشوقها إليه حتى وإن غاب عن النظر، هذا الإرتباط الذى بدأ فى الرحم لا ينفك أبداً بمشاغل الحياة حتى وإن كبر الأبناء وتزوجوا لا تقل عندهم العاطفة القوية تجاه الأم حتى مع الزوج/الزوجة وفى وجود الأبناء تظل الأم هى المصدر والإلهام لكل المشاعر الإنسانية الرقيقة الراقية فعلاً وحالاً ، لذلك يُقاس الخُلُق بتربية الأم وبرها والإحسان إليها ، حتى فى الأمم والحضارات القديمة ومنذ فجر التاريخ كانت الأم فى الأديان هى رمز الحب والحنان والعطف .
لذلك نقررها بوضوح لا ريب فيه ولا مرية رباط الأم وصلتها بأبنائها هى الأقوى عن أى رابطة أخرى ومشاعرنا العفوية تجاه الأم بأنها الأقرب إلى القلب ليست تكلفاً وإكتساباً ولكنها الحقيقة والفطرة النقية السوية ، لقد ألهمت الأم الشعراء والأدباء ليكتبوا عنها أبلغ العبارات فهنا نجد حافظ إبراهيم يدرك قيمة الأم فى المجتمع وما تخرجه لنا من قادة عظماء فى شتى المجالات فيقول ( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق ) فكل عظيم يرجع الفضل فيه للأم .
ويقول محمود درويش وهو يعبر عن حبه لأمه ( أحنّ إلى خبز أمي وقهوة أمي و لمسة أمي وتكبر في الطفولة يوماً على صدر يوم وأعشق عمري لأني إذا متّ ،أخجل من دمع أمي! خذيني ،إذا عدت يوما وشاحاً لهدبك وغطّي عظامي بعشبٍ تعمَّد من طُهْر كعبك وشدّي وثاقي بخصلة شعر بخيطٍ يلوُح في ذيل ثوبك ) ، وصدق الشاعر حينما قال (الأم هى أول الأوطان وآخر المنافى ) ، كل عام وكل إمرأة وأم عظيمة بخير وعافية.