مقال رأي
الشيخ فاهم القاسمي
رئيس دائرة العلاقات الحكومية – الشارقة
عندما نلتقي كدائرة علاقات حكومية لإمارة الشارقة مع ممثلين عن مدن ومجتمعات حول العالم، ندرك أهمية وجود أسباب ودوافع للفخر والاعتزاز بتجربة إمارة الشارقة والتجربة الإماراتية، لأننا نشعر بقوة امتلاكنا لما نقدمه للحراك الإنساني ومساعي الشعوب نحو البناء والتطوير الثقافي والمجتمعي المستدام، ونمتلك أيضاً ما نضيفه على قائمة منجزات البشرية، من منجزاتنا الخاصة التي تحمل بصماتنا وتعكس ملامح ثقافتنا وهويتنا أمام العالم.
وبلا شك، يشكل الحراك الثقافي المتواصل في إمارة الشارقة، الذي يستقبل المجتمع بكافة فئاته على الشغف بالمعرفة والتعلم، أحد أهم أسباب الفخر، لأن التجارب التاريخية أثبتت أن العلوم والإمكانات تستطيع بناء دول بالمفهوم المجرد للبناء، لكن بناء الحضارة يحتاج للقيم والمعارف والعمل الدؤوب والمبادئ الإنسانية التي تدفع أبناء مجتمع ما للعمل من أجل خير ورفعة البشرية جمعاء، وهذه هي الرؤية التي يجسدها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بدعمه لمعارض الكتب وإنشاء المكتبات غير التقليدية واهتمامه بالتنمية الثقافية بشكل عام وثقافة الأطفال واليافعين بشكل خاص.
وبمناسبة الحديث عن ثقافة الأطفال، تشهد الإمارة هذه الأيام فعاليات الدورة الـ 12 من “مهرجان الشارقة القرائي للطفل”، الفعالية التي تعكس توجه الشارقة نحو مستقبل يزدهر بوعي وقيم أبنائها، تبنيه عقولهم وسواعدهم بإبداع وتميز، وبالشراكة مع كل مستثمر ومقيم يعتبر الشارقة والإمارات بيته الثاني وفضائه الذي يحقق فيه أحلامه وطموحاته ويمارس فيه حياته الاجتماعية في ظل أجواء تحترم التعدد الثقافي الذي يتقاطع في مختلف مكوناته عند القيم الإنسانية الراقية.
إن العالم اليوم يهتم أكثر من أي وقت مضى بثقافة الأطفال واستكشاف مواهبهم وتحفيزهم على الابتكار والإبداع، ليس علميا ومهنياٍ فقط، بل وعلى المستوى الاجتماعي والعائلي والفني والأدبي أيضاً، هذا ما لمسناه في مشاركاتنا الدولية سواء في بولونيا أو غيرها من معارض الكتب الدولية التي تختص بالأطفال أو تفرد لهم مساحات كبيرة، ما يعبر عن شغف واهتمام كبيرين من قبل العالم بالمستقبل، وبما يجب أن يكون عليه شكل اقتصادنا ومجتمعاتنا وحياتنا وعلاقاتنا الداخلية والخارجية، وهذا الشغف يتجلى الآن في كل ركن من أركان “مهرجان الشارقة القرائي للطفل” الذي حرص منظموه على أن يوفر خيارات التعلم والترفيه بما يتلاءم مع تنوع اللغات والثقافات في الإمارة والدولة.
لقد أدركت الشارقة مبكراً وبتوجيهات صاحب السمو الحاكم المثقف والعالم بقصص التاريخ وتجاربه، أن التنمية المستدامة في مختلف المجالات تبدأ من إعداد جيل يتجاوز في ثقافته ووعيه حدود ما تقدمه المؤسسة الأكاديمية والأسرة من أخلاقيات وعلوم، فالمدرسة والأسرة وبالرغم من أهمية الدور الذي تمارسه من أجل ترسيخ عوامل الهوية الاجتماعية وبناء المشترك المحلي، إلا أنه لا بد من الكتب القيمة للأطفال، من أجل تغذية وجدان الطفل وذاكرته بالنتاج الثقافي العالمي لبناء المشترك الإنساني العام، الذي يعد عاملاً لا يمكن تجاهله عند الحديث عن مشروع الشارقة الحضاري ببعده الإنساني النبيل.
إن “مهرجان الشارقة القرائي للطفل”، يذكر الأهالي بأهمية بناء علاقة بين أطفالهم والكتاب ومصادر التعلم، حيث يأتي كل عام بزخم متصاعد ليوجه رسالة تقول: إن كافة وسائل الترفيه والتسلية التي أصبحت متاحة لأطفالنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا يجب أن تغيب الكتاب أو تضعف الرغبة بالتعلم أمام الرغبة بالترفيه، فالمهرجان بما يحتويه من فعاليات متنوعة، يكرس مبدأ الجمع بين الترفيه والتعلم، ويفتح الشهية للمعرفة التي يقدمها للأطفال بطرق محببة ومقبولة لعقولهم.
إلى جانب كل ما ذكرناه، نضيف أن مستقبل أبنائنا مرهون ليس بما يمتلكونه من علوم فقط، بل بما لديهم من أفكار ومواهب ومخيلة خصبة، فطبيعة الأعمال تتغير وتتجه نحو الأفكار والمواهب.
لأجل كل هذا نستطيع القول إن استثمار الفعاليات الثقافية الموجهة للأطفال في الشارقة من قبل الأهل هي تعبير عن التزام المجتمع ككل تجاه مستقبل الإمارة والدولة بل والعالم أيضاً، فالمستقبل الذي نريده يتشكل الآن من صفحات كتاب الطفل، من المفردات التي يتعلمها والقيم التي يتشربها لتكون قاعدةً لعلاقات إنسانية متكافئة ومستدامة.