حوار: راندا جرجس
«ترفعنا الأقدار بمشيئتها إلى حيثما تريد لأسباب نجهلها في النهاية، ولكننا مجبورون على الحركة في الحياة للإعمار، فقد جئت إلى هذه الأرض الطيبة مدفوعاً بلا سبب ظاهر أو دوافع قوية، وكانت بداية لرحلة العمر». بهذه الكلمات استهل الكاتب والناقد عبدالفتاح صبري، مدير تحرير مجلة الرافد الثقافية التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة، حديثه عن ملامح البدايات في الإمارات.
إذا كانت أسباب القدوم ودوافعه غير واضحة لعبدالفتاح صبري، فإن النتائج ظاهرة، ومنها إبداعه الذي توالت فصوله داخل الدولة، فله العديد من الإصدارات التي تتنوع بين القصة والرواية والنقد، فضلاً عن علاقاته الممتدة في النسيج الإبداعي للدولة واقترابه من كثير من مشروعاتها الثقافية، خاصة في الشارقة.
يسترجع عبدالفتاح صبري البدايات قائلاً: استقبلتني مدينة العين ليلاً في يناير/كانون الثاني 1984، وعندما انفرج الصباح وجدتها مدينة دافئة خضراء منتظمة الخضرة والألق والحيوية والحركة. كنتُ قادماً من البعيد محملاً بالأسئلة ومخاوف الاغتراب، ولكن سرعان ما توطدت علاقتي بالمدينة وشوارعها وحدائقها، وكنت أعمل في ذاك الوقت محاسباً في شركة للتجارة، وبدأت رحلة المعرفة والانخراط في المجتمع الإماراتي، وكأنني لم أغادر مصر أرض الكنانة، نفس طقوس الحياة ولغتها ومواثيقها وتراثها، ووجدت في هذه الأرض الطيبة طمأنينة وسكينة وذهب عني وعثاء الفكر.
وكانت المحطة الثانية عندما انتقلت إلى أبوظبي في 1985، لتمنحني الحياة تجربة جديدة عن معنى الاستيعاب وحسن الظن والسماحة الواسعة، واستمرت هذه المرحلة على مدار 13 عاماً حتى دفعتني أقداري للانتقال إلى معقل آخر ومهم جداً في دربي الطويل الممتد إلى الآن.
يتوقف عبدالفتاح صبري عند تفاصيل هذه المحطة المهمة في مسيرته الإبداعية، ويقول: ساقني قطار القدر لأكون جندياً في مشروع الشارقة للنهوض الثقافي الذي يرعاه ويخطط له صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حفظه الله، عندما بدأت في الأول من يونيو/حزيران 1998 بالتعاون ككاتب مع «مجلة الرافد»، ومشاركاً في فعاليات وندوات وأمسيات ومهرجانات المسرح والكتاب الخاصة بالدائرة، ثم كاتباً ببعض الصحف، وبدأ المشوار نحو درب الإبداع والتأليف، ولعب اتحاد الكتاب دوراً محورياً في تعميق تجربتي الأدبية والنقدية من خلال أروقته والمنتديات واللقاءات والممارسات الثقافية.
أصدقاء الرحلة
عن الرفقة على مدار الرحلة يقول عبدالفتاح صبري: امتدت هذه المسيرة إلى الآن لأربعة عقود، أصبحت فيها مؤثراً ومتأثراً، وتعرفت إلى أصحاب القلم من كتاب وأدباء إماراتيين من أجيال مختلفة، وأصدقاء جمعتنا المودة والمحبة ونقاشات على طاولة الود، ومنهم المرحوم جمعة الفيروز، ناصر جبران، مريم جمعة فرج، إبراهيم مبارك، نجيب الشامسي، أحمد العسم، عبدالله السبب، محمد سليمان، الفنان عبدالله صالح، الشاعرة الهنوف محمد، المرحوم سالم الحتاوي، هيثم الخواجة، صالح هويدي، د. عمر عبدالعزيز، إسلام أبوشكير، نواف يونس، عزت عمر، فوزي صالح، والقائمة لا تنتهي.
ويضيف صبري: شهدت على مدار هذه الرحلة الطويلة نمو الحركة الأدبية والثقافية، وتطور الإمارات ونهوضها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، حتى أصبحت دولة عظيمة بمقاييس العصر، ومتمكنة من استخدام سبل التقنية والعلوم، بفضل رؤية المؤسسين وعمل أبنائها، فهي الآن واحة للتقدم وطاقة نور مشتعلة بالعلم والمعرفة ومؤثرة في المحيطين العربي والعالمي، رافعة يد السلام لجميع الشعوب، وراية المجد والعز لأهلها والمقيمين فيها.
عن حياته الأسرية في الإمارات يقول عبدالفتاح صبري: لحقتني أسرتي (الزوجة والأولاد، بنتان وولد)، وارتبطوا معي بقيم المكان، وتشكل وجدانهم هنا، وأكملوا دراستهم، أمضينا معاً سنوات من الحميمية الأسرية في وطن يتسم بسحر الانجذاب وقوة التآلف، احتضننا لنعيش فيه كأسرة زهرة سنوات العمر، الأطفال كبروا في قلب مناخ لا يبعدهم عن جذورهم.
ويضيف: طفنا معاً الإمارات السبع نتطلع ونستمتع بالأرض وسحر الطبيعة، فعاشت وتجسدت فينا قيم أخرى ونمو وجداني ارتبط بقيم الإنسانية النبيلة التي تغلغلت في السلوك والأحلام والحياة.