بقلم الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مجلس الشارقة للإعلام
لم تبدأ كتابة التاريخ البشري بالأقلام أو الكلمات، بل بالصورة التي خطها الإنسان القديم على جدران الكهوف وصخور الجبال وحجارة الأرض، وهذا يشير إلى أن الصورة هي أول لغة تدوين مشتركة بين الأفراد والجماعات، وبين حقبة زمنية وأخرى، وهي أيضاً باكورة محاولات البشر في التعبير عن دهشتهم لاكتشاف الكون وظواهره، ومع تطور اللغات ووسائل التعبير وتغيرها الجذري عبر الزمن، بقيت الصورة، تتطور ولا تتغير، تستدخل أدوات جديدة لتؤدي وظائفها القديمة وهي التوثيق وصناعة القيم المشتركة في الوعي الإنساني.
لكن العراقة التاريخية وحدها لا تؤمن للصورة الحماية الكافية في عصر تعدد الفنون والوسائط ووسائل التعبير والتقنيات، والحديث عن الحماية هنا لا يتعلق بالتقنيات المستخدمة أو بالجودة والحرفية أو غيرها من شكليات فن التصوير، بل تتعلق بالوظيفة والرسالة والجمالية الإنسانية، وتتعلق أيضاً بمكانتها كأول توثيق إبداعي تاريخي.
لهذا، نحن الأن بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمظلات تجمع المصورين، ومنصات تنقل للعالم إبداعاتهم وتحدث الناس عن قصصهم وما فيها من جماليات واحتمالات مفتوحة على المستقبل، ولأن الشارقة اختارت مكانتها منذ البدايات، حاضنةً لصناع الثقافة وفي مقدمتها الآداب والفنون والعلوم، تعي وظيفة الإبداعات والفنون في الارتقاء بالحياة ومنح البشر فضاءات للفرح والتأمل وتغذية الوجدان والتفاعل المشترك مع قصة أو قضية أو فكرة نبيلة، يأتي المهرجان الدولي للتصوير “اكسبوجر” ليؤكد على المكانة الكبيرة لفن التصوير، ويمنح المصورين منصة تترجم صورهم إلى حكايات وتدمجها مع الثقافة الاجتماعية بكل بأبعادها التنموية والإنسانية والأخلاقية.
إن وظيفة الصورة كأداة للتأثير والتغيير لا تتحقق إلا إذا وجدت طريقها لشرائح واسعة من الجمهور، وانطلقت من قاعدة ملتزمة بجماليات فن التصوير وحريته وعفويته من ناحية، وأخلاقياته ورسالته من ناحية أخرى، وهذا ينطبق أيضاً على كافة الفنون والمهارات الإبداعية، فالإبداع من أجل الإبداع فقط بدون وظيفة سامية أو رسالة توثق علاقته بالجمهور، ويلامس من خلالها طموحاتهم وأحلامهم، مهدد بالزوال أو الترهل والوقوع في خانة الاستغلال من قبل فئات لا تشغلها سوى المصالح الفئوية الضيقة، وفي المقابل، الإبداع لا يتطور ولا يستمر إذا قيد بضوابط جامدة وغير واعية لعفويته الجميلة أو جماله العفوي، ففي هذه الحالة سيفقد عنصر الدهشة والإلهام، وستضع الوعي التقليدي السائد في حالة متواصلة من الصدمات التي تؤسس لوعي وليد جديد.
إن الجمع بين حرية الإبداع ووظيفته الاجتماعية، هو بمثابة العودة إلى البدايات البريئة التي أسست لفن التصوير، عندما كان تعبيراً عفوياً عن الدهشة والاكتشاف والتذوق والتعلم والتواصل، وهذه هي مهمتنا الأساسية في اكسبوجر، وفي كافة الفعاليات التي تحمل صفةً فنية إبداعية، أن يبقى الفن جمالياً وإنسانياً خالصاً، وأن يلقى هذا النوع من الفنون كل الدعم الذي يحتاجه من الجمهور والرأي العام.