
استحوذت مواقع التواصل الاجتماعي على اهتمامات الناس خلال جائحة «كوفيد»، حيث ساهمت بشكل كبير في تلبية الحاجة للتواصل البشري، فرسخت سلوكات وأنماطاً وعادات خاصة بها، وبشكل تلقائي أوجدت معايير افتراضية خاصة للقيمة والظهور على هذه المساحة الاستعراضية المرهقة، نفسياً واجتماعياً، وخلفت الكثير من الآثار النفسية السيئة والمشاكل لدى الكثيرين، فكان قرار الابتعاد عنها، سواء بإقفال الحسابات الشخصية، أو بالإبقاء عليها من دون استخدامها، قراراً يدعم الصحة النفسية والعقلية والرغبة في العيش على أرض الواقع لدى نسبة لا بأس بها.. كما نقرأ هنا..
يعيش حياته في الواقع بعيداً عن ظلال الفضاء الأزرق، فالحياة أهم بكثير، برأيه، من أن تعاش خلف الشاشات، هكذا ينظر إبراهيم عرفة، وسيط عقاري، إلى العلاقة مع مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لم يقطعها تماماً، بل يكتفي بحصرها ضمن حدوده الخاصة، ويقول: بالنسبة إلي، وجودي على هذه المواقع ليس له علاقة بالإدمان، أو التسلية، أو البحث عن أي شيء، إنه فقط محدد لدي بالوظيفة المحددة لها، فهي مصدر لمعرفة أخبار الأهل والأصحاب الذين أهتم بأمرهم، ويضيف أنه غير معتاد على تصفحها بشكل يومي، بل يدخلها في فترات متباعدة، وقد تستمر لأشهر من دون أن يتذكر الأمر.
وتلعب التجربة الشخصية دوراً في اتخاذ قرار الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، وإقفال الحساب نهائياً، حسب ريم محمد، موظفة، وتقول: لا شك في أن الكثير من الناس وقعوا ضحايا لقصص عاطفية محكومة مسبقاً بالفشل والمعاناة، فكل إنسان معرّض في أوقات الهشاشة النفسية لأن يعلق في مصيدة المحتالين المتربصين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فترة الجائحة، ومن الصعب الحكم على هذه التجارب لمن لم يخضها، ومن الصعب أيضاً وصف صعوبة آثارها النفسية والعاطفية، والصراعات العقلية العنيفة التي يخوضها العالق في مشكلة مشابهة، ما بين دفاعه عن واقعه والمنطق، وبين إدمانه العاطفي والنفسي الذي علق به لاستخفافه بالأمر وعدم التعاطي معه بجدية.
سلوكات غير واعية
ترى رضوى سالم، معلمة، أن مواقع التواصل الاجتماعي مساحة للاستعراض، وأنها تشعر بأن هذه المساحة تكرس حالة النفاق الاجتماعي، خاصة مع أنماط غير واعية من السلوكات التي كانت مرفوضة قديماً، وتقول: أقفلت حسابي منذ أكثر من عام بعد أن شاهدت محتوى يتحدث عن «الديتوكس» الإلكتروني، وكانت هذه الوقفة مهمة بالنسبة إلي، رغم أني أصنف نفسي بالمتابع الصامت، فأنا أتصفح هذه المواقع كما أتصفح مجلة، لكنني لاحظت أنني أضيع الوقت بهذه العادات السيئة، وأنني أعرّض نفسي للفوضى النفسي والشعورية التي تسبب لي الإرهاق من دون أن أعي السبب، وتضيف أنها تشعر بأن حياتها أفضل من دونها، خاصة أنها لاحظت الفرق باستعادة تركيزها وثقتها بنفسها.
أذى نفسي
أحياناً تكون هذه المواقع مصدراً للأذى النفسي بسبب الخلافات الفكرية واختلاف الآراء، خاصة للأشخاص الذين يعانون الحساسية العالية، حسب مريم عبدالله، موظفة، وتقول: لعل من الأشياء الصادمة التي وجدتها على مواقع التواصل الاجتماعي أنها تكشف عيوب الناس عند حصول الخلافات، والمواقف التي تجعلهم يندفعون للإدلاء بآرائهم، فالحقيقة أن تقبّل الاختلاف في الرأي أمر غير مقبول اجتماعياً، والأمر السيئ أن هذه المواقع أصبحت تستخدم كقوة ضاغطة على الأفراد مقابل الأغلبية الساحقة.
أما صفوان بوسلمان، صاحب عمل حر، فيرى أن التعامل بجدية مع هذه المواقع يجعلها تمتلك قدرة على التأثير في حياتنا، ويقول: بالنسبة إلي لا أميل لتضييع الوقت، ولا أكترث لحفلات الاستعراض والمهاترات التي اعتاد الناس أن يضيعوا وقتهم فيها، على سبيل التسلية وملء الفراغ، فأنا أرى أن الإنسان العملي والمشغول بحياته في الواقع لن يجد نفسه على هذه الصفحات المملة، فالمشاعر الحقيقية والأوقات الجميلة لا نجدها في العالم الافتراضي، بل في العالم الحقيقي، ومع أشخاص حقيقيين، ويؤكد أنه لم يلغِ حسابه لأجل زوجته فقط، لكونها تحب مشاركته أحياناً، إلا أنه لا يتذكر أن يتصفح هذه المواقع إذا لم تطلب منه قراءة شيء كتبته له، أو شاركته على صفحته التي لا ينشر عليها شيئاً عادة.