تجذب حياة الرفاهية، تلك التي تتعرض العيون لدفق من صورها على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما «إنستغرام» منها. الجديد في عالم السيارات والملابس والمجوهرات والساعات وتصاميم المنازل ووجهات السفر المكلفة والفنادق الباهظة مغر، وأطباق الطعام المعدة من محتويات معقدة أو نادرة. من يمتلك هذه الأشياء ويعيش هذه التجارب ويصورها وينشرها عبر حساباته، هو محط اهتمام العامة. هو «غنيّ» في التعريف الأولي. بالمقابل، لا تقنع هذه الصور العالمين في أمور المال، الذين يرون أن مظاهر الغنى المعلن عنها تبرز جانباً من المال قابلاً للزوال، فيما هم يعلون من قيمة المال «الخفي» أو «القديم»، ذلك الذي ينمو كلما تحركت عقارب الساعة. وهذا المال يمكن تحصيله عند التحلي بعقلية الثراء.
«المصاري» والريالات والدنانير والفلوس غاية للبعض ووسيلة للبعض الآخر؛ هي تأتي من طرق عدة، منها المشروع، مثل: الإرث والزواج والعمل. لكن، ليس كل من يمتلك المال يقدر على الحفاظ عليه، من هنا تبرز فروق بين مصطلحي الغني والثري. لغويّاً، يُقال غنِي فلان أي كثر ماله وصار ثريّاً، ملك ما يفيض عن حاجته. وثري فلان أو ثرا؛ أي كثر ماله، انتقل من الفقر إلى الثراء. حسب القاموس لا اختلافات كثيرة بين المفردتين.
تعريفات بالجملة
التعريفات عن الثراء نسبية، حسب الدكتورة نوف الغامدي، مستشارة التنمية الاقتصادية السعودية؛ فمن يملك مليون دولار، مثلاً، في كمبوديا أو فيتنام يُعدّ فاحش الثراء، أمّا في سويسرا والنرويج فإن من يملك الدولارات المذكورة مواطن عادي. في التعريفات، حسب المستشارة، يرد أن الثري، هو من يملك عشرة أضعاف الدخل المتوسط في المجتمع، فيما يلحظ تعريف آخر السيولة، والإيراد المرتفع على الأملاك والموجودات في البنوك، ويتحدث ثالث عن الفرق بين ما يصرفه الإنسان، وما يدخل عليه، بغض النظر عن حجم الدخل.من ناحية المستشارة، الثراء هو «مزيج من أمرين، هما: توفّر قدر من السيولة؛ ما يتيح لصاحبها الحصول على ما يريد في أي وقت يشاء، ووجود احتياط مادي مطمئن، أو على الأقل يُشعر المرء بعدم القلق من نقص الثروة».
أبّاً عن جدّ
تتحدث د. الغامدي عن أثرياء سليلي عائلاتٍ عريقةٍ، ورثوا المال والثروة، أباً عن جدّ، في مقابل آخرين بدؤوا من الصفر، وما يزالون يتمتعون بأخلاق الطبقة الوسطى. وهناك موظفون رواتبهم عالية، أو لهم نسبة مقطوعة من الأسهم والأرباح، مثل: مديري الشركات ورجال السياسة ومشاهير الإعلام.
الثروة بالأرقام
وتبيّن أن «الدخل هو المعيار المستخدم في الغالب عند قياس معنى أن تكون غنياً أو ثريّاً»، لافتة إلى أن «كل فرد ينتمي إلى الطائفة المصنفة بأنها أعلى 1 % من أصحاب المداخيل يجني دخلاً سنويّاً قدره 540.009 دولارات، فيما يحدّد معهد السياسة الاقتصادية EPI أن كل فرد في مجتمع أعلى 1% من أصحاب المداخيل يكسب 819.324 دولاراً فأكثر سنوياً». بناء على ما تقدم، تسأل المستشارة: «ماذا عن أعلى 5 %، أو أعلى 20 %؟ إذا كنت تعتقد أن أعلى 5 % هم أغنياء، فأنت في حاجةٍ إلى جني 335.891 دولاراً سنوياً، وفق EPI، أما اختراق أعلى 20 %، فسيحتاج إلى كسب 130.545 دولاراً سنوياً، حسب تحليل SmartAsset لتوزيعات الدخل».
بعد تحديد الأرقام سالفة الذكر، ترى المستشارة أنه «من المهم أن نضع في الاعتبار أن الدخل وحده لا يحدّد إذا كنت غنياً أم لا، ضرورة، فالشخص الذي يحقق دخلاً مرتفعاً، لكنه ينفق بدلاً من الادخار، أو لديه مبالغ كبيرةٌ من الديون، مثلاً، لن يعيش أسلوب حياة الأغنياء، وهو المفترض، بل سيعاني على أرض الواقع».
وتثير، في إطار تعريف الثروة، الاتجاه الذي يُركّز على الصافي، وهو قياس الفرق بين الأصول والخصوم، فتقول: «ستجعل الثروة الصافية البالغة مليون دولار أميركي فرداً ذا ثروةٍ صافيةٍ عالية، لكن للوصول إلى حالة ثروةٍ صافيةٍ مرتفعةٍ جداً، سيحتاج المرء إلى مبلغ يتراوح بين خمسة ملايين دولار وعشرة ملايين منها»، مستنتجة أن «هذه البيانات تعكس كيف تنظر الصناعة المالية إلى الثروة؛ صافي الثروة الذي يُقدّر بـ774 ألف دولار كاف حتى يكون المرء مرتاحاً عى الصعيد المالي، أما صافي الثروة الموازي لـ 2.2 مليون دولار مرادف للثراء، وفق استطلاع الثروة الحديثة لـ Schwab عام 2022».
بين الأغنياء والأثرياء
عن الفروق بين الأغنياء والأثرياء، تلفت المستشارة إلى أن «النظر إلى الدخل أو صافي الثروة مجردُ طريقةٍ واحدةٍ للتفريق بين الأغنياء والأثرياء، لكن لا يغفل عن كيفية استخدام الدخل والأصول، عند تحديد الوضع المالي؛ فقد يرى الأغنياء المال وسيلةً للحصول على الأشياء التي يريدونها، ومساعداً على عيش نمط حياةٍ معيّن، وهم قد يميلون إلى النظر نظرة قصيرة المدى إلى مواردهم المالية، فمن الممكن أن يعدّ المرء غنياً بناءً على الدخل. بالمقابل، يرى الأثرياء المال أداةً لتحقيق أهدافٍ ماليةٍ قصيرة وطويلة الأجل، فهم قد يكونون أقل اهتماماً بما يمكنهم شراؤه بالمال، في مقابل كيفية استخدامه لتكوين ثروة إضافية». وتوسع الفكرة، موضحة أن «الطريقة التي ينفق حسبها الغني ماله، تختلف بشكل كبير عن الطريقة التي ينفق حسبها الثري؛ فقد يستمتع الغني بإنفاق المال على الملابس الفاخرة أو السيارات أو الإجازات، وهو قد لا يتقيّد بميزانيّةٍ صارمةٍ أو يتابع إنفاقه عن كثب. لكن، يُفضل الثري، بدوره، الإنفاق على العناصر التي من المحتمل أن تحتفظ بقيمتها على المدى الطويل، أو تزيد قيمتها، مثل: الفنون الجميلة والعقارات والمجوهرات الراقية، فمن خلال إنفاق المال على هذه الأنواع من الأصول، يمكنه زيادة صافي الثروة». وتضيف: «قد يكمل دخل الثري ببطاقات الائتمان، أو تكون لديه تكلفة معيشية أعلى من المتوسط، مثلاً، أو قد يكون لديه واحد أو أكثر من عقود إيجار السيارات أو مدفوعات السيارات، أو يدفع لأطفاله للمشاركة في المناهج الدراسية باهظة الثمن، أو لديه رهن عقاري باهظ الثمن؛ لأنه اشترى منزلاً في حي فاخرٍ، ودفع ضرائب أعلى على الممتلكات.. وقد يرى الثري أن بطاقات الائتمان وسيلة راحة أكثر من كونها وسيلة تمويل لنمط حياة معيّن، وقد تكون لديه تكلفة معيشية أعلى، لكن لديه أيضاً دخل أعلى كافٍ للحفاظ على هذا النمط..». وتزيد في وصف معيشة الثري، قائلةً: «حتى إذا كان الثري مديوناً، فقد يكون مرتبطاً في الوقت نفسه بأصول من المحتمل أن تزداد قيمتها، مثل: المنازل واليخوت والسيارات. وقد تتضمّن خطة الإنفاق الشهرية الخاصة به النفقات التي قد لا يتحمّلها الأغنياء، مثل: المدفوعات لخادمات المنازل أو المساعدين الشخصيين». وتفرق بين الغني والثري عبر الآتي: «يعمل الغني مع مستشار مالي على وضع خطة لإدارة ماله، تتضمّن الادخار للتقاعد، أو سداد الديون أو التخطيط للتعليم العالي لأطفاله، أمّا الثري فيغوص في نطاق أوسع من القضايا التي يجب معالجتها عند صياغة خطته المالية، مثل: الجهود الخيرية أو المشورة المتخصصة في ما يتعلّق بالتخطيط العقاري والاستراتيجيات الأكثر فاعليةً لنقل إرث من الثروة لأبنائه أو أحفاده أو أحفاد أحفاده».
فروق شاسعة
من جانب، زينب الأندلسي، الأستاذة في «المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير»، بطنجة، والباحثة في علوم التسيير، فإن الغنى والثراء، مفهومان يقربان من بعضهما البعض لناحية الارتباط بالمال وبالوضعية المالية للأفراد الذين يتصفون بالغنى أو أصحاب الثروة، لذا قد تخلط غالبية الناس بينهما. لكن، تبين البحوث أن الفروق شاسعة بين المصطلحين.تتفق الأندلسي، مع د. الغامدي، لناحية أن الدخل معيار لقياس الغنى؛ ما يعني أن تصنيف فرد ما في خانة الأغنياء يستلزم حصول هذا الشخص على دخل سنوي معين يختلف باختلاف البلدان والاقتصادات. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، يصنف المرء في خانة الأغنياء، إذا تجاوز دخله السنوي مئة وثلاثين ألف دولار في الحد الأدنى وفق تحليل شركة التكنولوجيا المالية «سمارت أسييت»، الذي يتناول توزيع الدخل في أكبر مئة مدينة أميركية. بالمقابل، لا يرتبط مفهوم الثراء، حسب الأندلسي، بمدخول الشخص، وإنما بالثروة التي يملكها وبطريقة تكوين هذه الثروة وإدارة الموارد المالية وطريقة استخدامها.
نصيحة مالية
أضيفي إلى ما تقدم، تُعلّق الأندلسي أهمية على التخطيط المالي للأفراد والمجموعات (العائلات، مثلاً)، وتقول إن «التخطيط المالي هو أساس للمرور إلى الأمان؛ حتى لا يسقط أي فرد أو عائلة في فخ الاستهلاك، الذي قد يضعه البعض في أعلى مرتبة في قائمة الأولويات». وهي تدعو كل قارئ إلى أن «يملك عقلية الثراء، حتى وإن لم يكن يتمتع بثروة مهمة، مع الانتباه إلى الفرق بين الممتلكات والديون، كما التحكم في الاستهلاك وعدم الإفراط فيه لضمان تسيير عقلاني للمداخيل والممتلكات». وتخلص إلى أن «الاستثمار مكون مهم للتسيير المالي الناجح».