
يعد المسرح الروماني أحد أهم المعالم الأثرية في مدينة الإسكندرية المصرية، فهو بمثابة شاهد على تقدم الفنون والأدب في مصر خلال فترة الحكم الروماني الذي استمر لعدة قرون.
يقع المسرح في منطقة كوم الدكة التي ولد فيها الموسيقي الرائد سيد درويش، وأقيم في بداية القرن الرابع الميلادي.
تقول د. ماجدة سعد الدين، أستاذة النقد التشكيلي بأكاديمية الفنون: المسرح الروماني تحفة معمارية فريدة، وهو أول مسرح يقام في المنطقة العربية، وبني على طراز معماري مميز؛ إذ اشتهرت تلك الفترة التي بني فيها، ببناء المدرجات المسرحية، كما ترى في أثينا باليونان، وفي بعض المدن الإيطالية، واكتشفت المسرح عام 1960 بعثة أثرية للتنقيب عن مقبرة الإسكندر الأكبر.
وكان المسرح، وقت بنائه، يستخدم في تقديم العروض الفنية المختلفة، خاصة أن مدينة الإسكندرية وقتها كانت مركزاً ثقافياً عالمياً، لوجود مكتبتها التي كانت تضم أهم المؤلفات العالمية ويرتادها كبار علماء وفلاسفة ذلك الزمان. وظل المسرح يستخدم للعروض المسرحية والموسيقية حتى القرن السابع الميلادي. كما كان يستغل في بعض العصور لعقد المؤتمرات الكبرى.
600 شخص
تضيف د. ماجدة سعد الدين: المدرج الروماني مصمم على شكل حدوة حصان، ويتكون من 13 صفاً من المدرجات المصنوعة من الرخام، وهي مرقمّة بحروف يونانية لتنظيم عملية الجلوس. وأول هذه المدرجات من أسفل يتسع لحوالي 600 شخص، وهي مصنوعة من الجرانيت، ويوجد أعلاها خمس مقصورات لم يبقَ منها سوى مقصورتين.
وتتكئ المدرجات على جدار سميك من الحجر الجيري، ويحيط به جدار آخر، وتربط الجدارين مجموعة من الأقواس، كما توجد صالتان صنعتا من «الموزاييك» مزينتان بزخارف هندسية متميزة في المدخل الغربي للمسرح. وتؤكد د. سهير حواس، أستاذ العمارة بجامعة القاهرة، أن المسرح الروماني هو أول بناء فني أقيم في مصر، وأنه فريد في طرازه المعماري، موضحة أن مكتشفه بعثة أثرية بولندية ممثلة لمركز آثار البحر المتوسط والمتحف اليوناني الروماني ممثلاً لمصلحة الآثار المصرية في أعمال التنقيب. وكان للمبنى، خلال العصر الروماني، مدخلان مقوسان مفتوحان في الجدار الخارجي، وبجوار كل منهما حجرة كبيرة، كانت كل منهما تستخدم للانتظار. ويشتهر المسرح في المراجع العالمية الأثرية باسم المدرج الروماني، خاصة مع اكتشاف قاعات دراسية إلى جواره عام 2004 يرجح أنها كانت تستخدم للمحاضرات.
وهناك مراجع تشير إلى أن المسرح استخدم في بداية بنائه صالة موسيقية، وتبين ذلك من تصميم المبنى؛ إذ تحمل الرياح الصوت فتصطدم بالجدار، ما يحدث أصداء للأنغام وهكذا. أما عن الأحجار التي بنيت بها مدرجات المسرح، فهي من الجرانيت الوردي المتين، ومرقمة بحروف يونانية.
ممر مسقوف
يتميز المسرح اليوناني بجمال معماري خاص، وروعي فيه أن يستخدم في جميع فصول السنة؛ إذ بنيت أعلاه مقصورات مسقوفة بقباب محمولة على أعمدة، وكانت وظيفة تلك القباب حماية الجالسين أسفلها من الشمس والأمطار، بالإضافة إلى دورها المهم في التوصيل الجيد للأصوات. وبين جدرانه الخلفية كان هناك ممر مسقوف يستخدمه العاملون، وهو أشبه بالكواليس في المسرح الحديث؛ حيث يشهد تجهيز الممثلين والموسيقيين قبل العرض وأثناءه.
ويشير د. حسين عبد البصير، مدير المتاحف بمكتبة الإسكندرية، إلى أن المسرح اليوناني كان بداية لبناء مسارح مشابهة له، في ذلك الوقت، في العالم العربي مثل ذلك الذي نراه في مدينتي جرش الأردنية وبعلبك اللبنانية، وهو يدل على تقدم الفنون في تلك العصور، ومدى الوعي الذي وصل إليه المصريون في ذلك الوقت؛ إذ كانت الإسكندرية عاصمة مصر في العصر الروماني ولقرون متعددة، ومركزاً ثقافياً عالمياً، والمسرح اليوناني كان يمثل نقطة التقاء للفنانين والموسيقيين، ليس في مصر فقط، وإنما من الدول المجاورة.
ومن الناحية الأثرية يعد المسرح الروماني، قيمة نادرة، فهو شاهد على تطور فن العمارة في القرن الرابع الميلادي.