في المركز الوطني للوقاية من المخدرات ومكافحتها الواقع في غابة بوشاوي على بعد قرابة عشرين كيلومتراً غرب الجزائر، يقول كمال، وهو اسم مستعار، يتلقى العلاج في المركز منذ شهرين: «هناك أشخاص يهتمون بي ويساعدونني على الخروج من عالم الإدمان. يزرعون فينا روح الشجاعة».
ويتابع: «خلال شهرين استعدت عافيتي ووفرت أموالي»، مشيراً إلى أن البداية بالنسبة إليه تمثلت «بالصلاة والعودة إلى الله»، داعياً المدمنين إلى ضرورة «القيام بالخطوة الأولى».
ويقول القيمون على المركز: إنه استقبل ما يقرب من 7800 مدمن مخدرات لتلقّي العلاج منذ افتتاحه في 2019. وتدير المنظمة الوطنية لرعاية الشباب، وهي منظمة غير حكومية تنشط في مجال مساعدة المدمنين على المخدرات منذ 32 سنة، المركز.
ويقصد طالبو العلاج المركز إرادياً مرتين في الأسبوع، ويتلقون علاجاً بالتركيز على الرياضة والمرافقة النفسية في جو من الهدوء والبعد عن ضجيج المدينة.
لا تسمع في المكان سوى زقزقات العصافير ممزوجة بآيات من القرآن. وتجري الحصص النفسية بين المريض والمعالج النفسي في الهواء الطلق.
عند مدخل المركز، لافتة تتضمّن أنشطة المنظمة كُتب عليها «الحوار البناء مع الشباب وسيلة ضد كل الآفات الاجتماعية».
ويقول شفيق، وهو اسم مستعار أيضاً، يخضع لجلسته العلاجية الرابعة: «جئت إلى هنا بمحض إرادتي وبكل إصرار على العلاج من الإدمان».
ومن منطقة عبور نحو أوروبا والشرق الأوسط، شهدت الجزائر المطلة على البحر المتوسط، تزايداً في عدد المدمنين بنسبة قاربت 38% بين عامي 2021 و2022، بحسب الصحافة المحلية.
ومركز العلاج من الإدمان على المخدرات التابع لمستشفى فرانز فانون في البليدة على بعد 50 كلم جنوب غرب العاصمة، هو المركز الأكبر في الجزائر ويعالج أكثر من 17 ألف مدمن سنوياً، ويعتمد بشكل كبير على العلاج النفسي والمرافقة الاجتماعية لكن مع استخدام الأدوية والاستشفاء بالنسبة للحالات المعقدة.
ويوضح عبد الكريم عبيدات، رئيس منظمة رعاية الشباب، المشرف على مركز بوشاوي، أنه «تم فتح المركز في 2019. ومنذ ذلك التاريخ، زارنا 7757 شاباً وشابة جاؤوا من كل القطر الوطني للخضوع لعلاج بدون أدوية يرتكز أساساً على الحوار».
ويضيف: «العلاج يبدأ من الجانب البدني بممارسة الرياضة ثم الجانب النفسي مع المختصين».
وتقول يسرى أوشان، طبيبة نفسية: «نحن متطوعون في هذا المركز لمساعدة المدمنين على التوقف عن استهلاك المخدرات. المخدرات ليست مرضاً، بل انحرافاً عن الطريق السوي، ونحن هنا لنبيّن لهم كيف يعودون إلى هذا الطريق».
ويحذّر أيوب ميهوبي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر، من أن «المخدرات أصبحت هاجساً يرعب الأسر الجزائرية».
ويشير إلى أن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها الحكومي أحصى أكثر من ثلاثة ملايين مدمن، ثلاثة في المئة منهم نساء، وهذا أمر مخيف، بالنسبة لعدد سكان يقارب 45 مليوناً، وفق قوله.
ولم يكن عدد المدمنين يتعدّى 300 ألف شخص في العام 2010، وكان عدد السكان يبلغ 35 مليوناً.
وبحسب الديوان الذي ينشر دورياً إحصاءات عن الكميات التي تضبطها قوات الأمن والجيش من المخدرات، فإن المخدرات الأكثر تداولاً في الجزائر هي تلك التي تترك تأثيرات في الصحة النفسية» مثل دواء البريغابالين المستخدم لعلاج الصرع.
وأصبح هذا الدواء عند المدمنين بديلاً عن مخدّرات أخرى، مثل الكوكايين والحشيش، ويطلق المدمنون عليه اسم «الصاروخ» لأنه كما يقولون: يشعرهم بالطيران في الفضاء.
وضبطت قوات الأمن خلال النصف الأول من سنة 2023 نحو تسعة ملايين قرص من المخدرات المصنوعة من مواد تؤثر في الصحة النفسية، بزيادة 70% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022، بينما تراجعت كميات الحشيش المستهلك بنحو 30% خلال الفترة نفسها، بحسب الديوان التابع لوزارة العدل.
وأعلن الجيش الجزائري في حصيلة لسنة 2023، أنه ضبط أكثر من 57 طناً من القنب المعالج وأكثر من 11 مليون قرص من أدوية مخدرة وأقل من 100 كلغ من الكوكايين. وتمّ توقيف 2723 تاجر مخدرات.
ويقول ميهوبي: «للمجتمع المدني دور كبير في المساعدة على محاربة الإدمان خصوصاً من خلال إدماج المدمنين في العمل الخيري والنشاط الثقافي حتى يسترجع الشخص المتعاطي الثقة بنفسه ويشعر بالانتماء ويعي أن هناك من يحبّه ويقبله كما هو».