لم تعد جزيرة الجبيل مجرد أحد أهم الوجهات البيئية في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، بل تحولت خلال النسخة الثانية من معرض “منار أبوظبي” إلى أكبر مسرح مفتوح لفنون الضوء في المنطقة، بعد أن استقبلت وحدها 15 عملاً تركيبياً وأدائياً قدّمها فنانون من دولة الإمارات والعالم.
هذا التحول لم يأتِ بوصفه عرضًا بصريًا فحسب، وإنما جاء نتيجة رؤية واعية لطبيعة الجزيرة ومساحاتها الخضراء ومزيجها الفريد من غابات القرم والمسطحات المائية، وهي بيئة تتفاعل بطبيعتها مع الضوء، وتُعيد تشكيله لحظة بلحظة.
طبيعة الجزيرة كعنصر فاعل في العمل الفني.
في أغلب المعارض الفنية العامة، يشكل المكان إطارًا محايدًا، لكن في الجبيل بدا واضحًا أن الطبيعة نفسها شريك في صياغة الأعمال.
حركة المدّ والجزر، انعكاس الضوء على الماء، وامتداد القرم في خطوط عضوية غير منتظمة… كلها عناصر استثمرها الفنانون لتحويل كل عمل إلى تجربة حيّة لا تتكرر.
وقد بنى الفريق الفني بقيادة كاي هوري، ومعه القيمون علياء زعل لوتاه ومنيرة الصايغ ومريم الشحي، على هذه الخصوصية ليقدموا مقاربة تقوم على “تفعيل الضوء” وليس “عرض الضوء” فقط. وهو فارق جوهري في قراءة المعرض.
تنوع الأعمال: من الهندسي إلى الغامر.
تميزت أعمال الجبيل بتنوع يتيح قراءة متعددة الاتجاهات، أعمال أقرب إلى النحت الهندسي الضوئي قدّمها فنانون مثل كريستيان برينكمان وكيرستن بيرغ، حيث يخضع الضوء لحسابات دقيقة ومسارات محددة، في حوار بين التقنية والبساطة البصرية.
أما أعمال Drift وSIX N. Five قدّمت تجارب غامرة توظّف الحركة والخداع البصري، مستفيدة من امتداد الجزيرة لتكوين مسرح طبيعي مفتوح.
وفيما يخص أعمال شيخة المزروع وباميلا تان فقدّمت قراءة حسية للضوء، باعتباره مادة شفافة يمكن تطويعها وتفكيكها وإعادة جمعها، في مقاربة تلامس الجانب العاطفي للمكان.
هذا التنوع يعزز موقع الجبيل كمنصة يمكنها استيعاب مدارس بصرية مختلفة دون أن تفقد هويتها البيئية.
الجبيل كجسر بين الضوء والتراث الطبيعي.
أحد أهم جوانب التحول الذي تشهده الجبيل خلال “منار أبوظبي” هو قدرتها على تعميق العلاقة بين الفن والبيئة، خصوصًا في سياق الموضوع الرئيسي للمعرض “دليلك نجم سهيل”.
فالضوء هنا ليس عنصرًا تجميليًا، بل أداة لإعادة قراءة تاريخ المكان.
الجزيرة، التي تُعد نموذجًا للتوازن البيئي في الإمارات، تحولت إلى مساحة تسمح للزائر بأن يقرأ الضوء بوصفه امتدادًا للذاكرة البيئية والإنسانية للمنطقة.
البعد السياحي والثقافي للجزيرة
على المستوى الحضري، يعكس اختيار الجبيل كمحور رئيسي للمعرض رؤية ثقافية تتجاوز حدود الفن إلى تعزيز هوية المكان.
فالجزيرة التي تستعد لاستقبال أكثر من 10 آلاف ساكن خلال السنوات القادمة، وتضم مسارات طبيعية ومرافق مجتمعية، تستفيد اليوم من الحدث الفني لتأكيد موقعها كوجهة تجمع بين:
• الاستدامة
• الفن العام
• التجربة الطبيعية الهادئة
وهو ما ينسجم مع توجهات دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، في جعل الفن جزءًا من النسيج اليومي لحياة السكان والزوار.
ما حدث في جزيرة الجبيل خلال “منار أبوظبي 2025” لا يمكن اختزاله في كونه “عرضًا ضوئيًا”، وإنما يمثل نموذجًا متقدمًا للفن العام الذي، يدمج الضوء بالطبيعة، يستثمر الجغرافيا كجزء من العمل الفني، وأخيرا يقدم تجربة حضرية وثقافية متكاملة.
وبذلك تتحول الجبيل إلى مختبر حي يعيد تعريف علاقة الإنسان بالضوء، لا كمجرد مفهوم بصري… بل كدليل، ورمز، ولغة معاصرة للتواصل مع المكان.
معرض منار أبوظبي
![]()
