
في زمن تلاشت فيه الحدود بين الواقع والخيال، عادت إلى الأذهان قصة “حلمي” بطل فيلم “هستيريا” الذي أبدع الفنان شريف منير في تجسيد دوره، ليجد صداها اليوم في عالم منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا في قصة التيك توكر الشهير باسم “ياسمين اللي تخلي الحجر يلين”. القصتان، رغم اختلاف الزمان والوسيط، تتشاركان في خيط رفيع: انتحال شخصية أنثوية لتحقيق مكاسب شخصية.
“حلمي” و”ياسمين”: وجهان لعملة واحدة؟
في فيلم “هستيريا” (1998)، جسد شريف منير شخصية “حلمي”، شاب فقير أجبرته ظروف الحياة على ارتداء ملابس نسائية والعمل كراقصة في فرقة شعبية. لم يكن ذلك اختيارًا، بل كان وسيلة للبقاء على قيد الحياة. استخدم “حلمي” هذه الشخصية كقناع، ليتحول من شاب بسيط إلى “فتاة ليل” يتعرض للابتزاز والتهديد، في تجسيد درامي لمأساة استغلال الحاجة.
اليوم، وفي عالم تيك توك، يظهر شبيه “حلمي” في شخصية “ياسمين”. شاب عشريني، استخدم نفس الأسلوب: انتحال شخصية فتاة، ولكنه لم يفعل ذلك بدافع الفقر، بل بدافع الشهرة والربح السريع. تحول “ياسمين” إلى ظاهرة على تيك توك، مستغلًا المحتوى المثير للجدل الذي يقدمه لجذب مئات الآلاف من المتابعين، وتحقيق أرباح طائلة من الإعلانات والهدايا الافتراضية.
من الدراما إلى الواقع: تداعيات ومخاطر
قدم فيلم “هستيريا” نهاية درامية حيث واجه “حلمي” تداعيات انتحال الشخصية، وكشف حقيقته أدى إلى ابتزازه وتهديده. هذه النهاية لم تكن مجرد حبكة سينمائية، بل كانت تحذيرًا من مخاطر انتحال الهوية.
وما حدث مؤخراً مع “ياسمين” يؤكد هذا التحذير. ففي مفاجأة كبيرة، ألقت الأجهزة الأمنية في مصر القبض على البلوغر “ياسمين” صاحبة الحساب الشهير، بعد مقاطع فيديو تحمل إيحاءات جنسية وألفاظًا خادشة للحياء العام. ليتبين أن صاحب الحساب “ذكر” تنكر في هيئة أنثى لجذب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية.
وكشفت السلطات الأمنية أن البلوجر ياسمين ليست أنثى كما روّجت لنفسها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل ذكر دأب على نشر مقاطع فيديو على هيئة أنثى جميلة لجذب الرجال والشباب والتربح المالي.
بعد تحقيق شهرة واسعة، كُشفت حقيقة “ياسمين” ليتم القبض عليه بتهمة الترويج لمحتوى خادش للحياء، وانتحال صفة أنثى، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يضر بقيم المجتمع. النهاية في الواقع كانت أكثر قسوة، حيث واجه “ياسمين” مساءلة قانونية مباشرة، وهو ما يؤكد أن ما يبدو مجرد “لعبة” على الإنترنت قد يكون له عواقب وخيمة في الحياة الحقيقية.
ويمكن القول إن قصة “حلمي” و”ياسمين” تشكلان مرآة عاكسة لتغير المجتمع. فبينما كان “حلمي” ضحية لظروفه القاسية، يبدو أن “ياسمين” كان ضحية للسعي وراء الشهرة والربح السريع في عصر أصبح فيه المحتوى هو العملة الوحيدة. الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول أخلاقيات المحتوى الرقمي ومسؤولية صناعه.