خطوط متعرجة، وألوان نابضة بالحياة تزيّن رسمة سمكة كبيرة على غلاف كرتونيّ مقوى، يشدّ المارّين من جانب جناح دار كلمات، المتخصصة في نشر وتوزيع كتب الأطفال باللغة العربيّة، وسط القاعة الرئيسية لمهرجان الشارقة القرائي للطفل في مركز إكسبو الشارقة.
قليلون قد يتعرّفون على نوع الفنّ التقليدي الهنديّ الذي يظهر على غلاف “الحياة على ضفاف النهر”، لكن الأغلبيّة لن يرى إلا سمكة مزخرفة بالخطوط والألوان.
ما لا يعرفه الكثيرون أن هذه السمكة هي ليست مجرد واحدة من إبداعات أحد رسّامي كتب الأطفال، وإنما تمثل ثقافة فنيّة بأكملها تمتاز بها المناطق الريفيّة في ولايات الهند، إذ يقدّم كتاب “الحياة على ضفاف النهر”، من تأليف ورسوم الكاتب والفنان الهندي رامباروس جها وترجمة سمر محفوظ براج، فنّ “الميثيلا” الهندي الذي نشأ في قرية “ميثيلا” في شمال ولاية بيهار الهنديّة.
كان أهالي القرية يوظّفون هذا الفن التقليدي، الذي يتميز بدقة التفاصيل والحيوية في الألوان، من خلال الرسم على جدران المنازل خلال المهرجانات التقليدية، ثم انتقل “الميثيلا” من الجدران إلى الورق بواسطة الفنانين الذين قاموا بتوظيف هذا اللون الشعبي الساحر في لوحاتهم.
يقدّم الكاتب نصوصاً ذات صبغة معرفية حول بعض الرموز والمخلوقات المستخدمة في فن الميثيلا، إلى جانب كائنات من النهر التي عايشها في طفولته، مصحوبة برسوم تجمع بين البساطة والحرفية الفنية العالية، التي حوّلت لوحات الكتاب إلى أعمال فنية تجذب القارئ.
وتتنوع الخطوط والنقوش التي تتكون منها رسوم الكتاب ما بين خطوط متموجة وأخرى متداخلة، وفي بعض الأحيان يختار الفنان الامتثال لتقاليد فن الميثيلا، فيما يجرب في رسوم أخرى الخطوط ذات الأشكال المتعرجة والمقوّسة الدخيلة على تقاليد الفنّ. كما يستخدم في النص المكتوب لغة بسيطة ليطرح تساؤلات وأفكار تدور في ذهن من يتأمل الرسوم المصاحبة للنص.
وبهدف التعبير عن اختلافات الطبيعة، يلجأ رامباروس جها إلى تغيير الأشكال والنقوش والألوان، مع التركيز على جماليات رسم المياه واختلافاتها، حيث المياه الراكدة لا تشبه المحيط العميق، أو تيّارات المد والجزر أو البحيرات، أو المياه الهادئة التي يسبح فيها حصان البحر بهدوء. ومن خلال هذا التنوع تظهر للقارئ التموجات والانحناءات المختلفة في خطوط الرسّام وعمق اللون وحركة الأشكال على الورق.
وللحفاظ على جودة الرسوم ودقتها، تم إنتاج الكتاب باستخدام الطباعة اليدوية بتقنية الشاشة الحريرية على ورق مصنوع باليد.
ورغم أن الكتاب موجه للأطفال، إلا أن فكرته تقدم الدليل مجدداً على أن توظيف التراث الفني والقصصي في الأدب عموماً، يزيد من فرص تميز ونجاح هذا النوع من النصوص، ويجعلها تحظى باهتمام القراء من مختلف الفئات العمرية.