
في محاولة لملء الفراغ الذي أحدثه الغياب الطويل للدراما التاريخية والدينية منذ سنوات، تأتي مُبادرة مُهمة لعرض السيرة الذاتية للإمام الشافعي في نحو ثلاثين حلقة من مُسلسل يحمل اسم الإمام الشافعي، كعنوان للشخصية الدينية والأحداث التاريخية، فالحلقات يتم تصويرها للعرض في رمضان المُقبل، حيث تشارك في المُسلسل ذي الإنتاج العربي الضخم نخبة كبيرة من النجوم المصريين والعرب.
يقوم خالد النبوي في العمل الدرامي المذكور بتجسيد شخصية الإمام، بينما تُسند أدوار أخرى محورية لعدد من النجوم من بينهم نضال الشافعي وخالد أنور وفرح بسيسو وحمزة العيلي وأحمد الرافعي وأروه جودة وسلمى أبو ضيف وخالد القيش وآخرون.
وحسبما ذكرت بعض المصادر العليمة فإن الإعداد للمُسلسل استغرق بضع سنوات، تم خلالها جمع المعلومات التاريخية والدينية من واقع الكُتب التراثية، فضلاً عن إحصاء لعدد من فتاوى الإمام والفقيه الديني، الذي أنهى بها جدلاً واسعاً حول بعض القضايا الخلافية وأرسى من خلالها قواعد الفقه الصحيح، فليس هناك من أمر ديني إلا وكان له عند الإمام الشافعي حلاً وتفسيراً، لذا تُعد فتاواه مرجعاً دينياً بالغ الأهمية إلى جانب فتاوى الأئمة الأربعة أبو حنيفة النُعمان والإمام مالك ابن أنس والإمام أحمد ابن حنبل.
المُسلسل الذي يتعرض لشخصية الشافعي يتضمن مزيجاً إبداعياً وإنسانياً يربط بين القيمة التاريخية والمكانة العلمية، ويرصد بشيء من التفصيل وقائع بعينها لاجتهادات الإمام الفقيه في ضوء المرحلة الزمنية التي ظهر فيها، وفي السياق التاريخي للأحداث التي تصدى لها بفتاواه، مع الإشارة إلى الاعتبارات القياسية التي تم بموجبها اتباع القواعد الفقهية التي انطلق منها مُستنداً للأحكام الشرعية والعقيدة الدينية الإسلامية، للحيلولة دون وجود خلط أو التباس من أي نوع في ما أفتى فيه بشأن الأمور الحياتية والدينية، كالفدية والزواج والطلاق وحقوق المرأة والقُصر والميراث والجهاد في سبيل الله وأحكام الصلاة والصوم والأعذار الشرعية للإفطار وصلاة القصر، وغيرها من القضايا المعلومة بالضرورة.
كما يطرح المُسلسل مواقف عن مرونة الإمام الشافعي وعدم التشديد المُعجز في تطبيق الأحكام، بما يتناسب مع الظرف ولا يخرج عن صحيح الدين، غير أن هناك مساحات واسعة من مشواره ونشأته وخطوات تحصيله العلمي بمراحل تطوره ومنهجية تفكيره التنويري وثبات منطقه على اليقين الديني والعقائدي القويم، وهو جانب مهم يحرص المخرج الليث حجو على إبرازه من واقع ما كتبة المؤلف محمد هشام عبيه، الذي اضطلع بدوره أيضاً في الإحاطة بكل ما يتعلق بالشخصية الدينية التاريخية المُعتبرة والمُقدرة.
وقد أوضح عبيه أن المُسلسل ليس فيه ما يُثير القلق أو يدعو للاحتجاج، بل على العكس هناك حالة من الترقب الشديد للمُشاهدة والمُتابعة، ومن ثم فهو لا يتوقع أي رد فعل سلبي تجاه الشخصية الدرامية، أو العمل ككل فما ورد من تفاصيل داخل النص تمت مراجعته بدقة تاريخياً ودينياً. وبالنسبة للأبطال المُشاركين والمناط بهم تجسيد الشخصيات وهم من جنسيات عربية مُختلفة، لبنانيين وسوريين وأردنيين، وبينهم أمريكيون أيضاً، تم استعراض السيناريو معهم في جلسات عمل مطولة في حضور المِؤلف والمخرج للاستقرار على الشكل النهائي للتناول، وكيفية الأداء والمراجعة اللغوية، حرصاً على سلامة النطق ومخارج الألفاظ، فمن تم اختيارهم ليكونوا ممثلين للشخصيات الحقيقية روعيت فيهم شروط الإجادة الثقافية وبصفة خاصة تفوقهم اللغوي تلافياً لأي أخطاء مُحتملة، كتلك التي تحدث عادة عند التصوير ويكون من الصعب تداركها أحياناً في ظل الوقت المحدود للإنجاز، لاسيما في الأعمال التي تكون مُرشحة للعرض في رمضان ويسابق صُناعها الوقت للحاق بالسباق في الموسم الدرامي الكبير.
وفي ما يتصل بميزة العرض الرمضاني للعمل الفني، فهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأعمال الدينية والتاريخية على وجه الخصوص، لأنه في شهر رمضان الكريم يكون المُشاهد في حالة روحانية عالية، ولديه استعداد كامل للمُتابعة والتذوق والتفاعل، وللجمهور وجهات نظر صائبة تعكس في حالات كثيرة حرصه الشديد على الارتقاء بمستوى المادة الدرامية المُقدمة له بقوالبها المُختلفة، سواء الاجتماعي منها أو التاريخي أو الديني، والأخير بصفة خاصة هو نوع مُفضل لدى الغالبية العظمى من الجمهور المصري والعربي، فإذا تزامن عرضه الأول مع حلول شهر رمضان كان الحرص على المُشاهدة أكبر بطبيعة الحال فمُعدلات المُتابعة والفرجة تزداد بشكل ملحوظ خلال الثلاثين يوماً المُباركة، وهي عملية مدروسة ومأخوذة في الاعتبار بكل تأكيد في ما يتصل منها بعملية التقييم العام ودراسات البحث التخصصية للمُصنفات الفنية المرئية والمسموعة.