منذ زمن طويل كنا نعتقد بأن دخول الذكاء الاصطناعي إلى حياتنا سيمكنه من السيطرة عليها بالتدريج إلى أن نعيش في عالم تتحكم فيه الآلات – أو ربما كانت تلك الصورة التي نقلتها لنا أفلام هوليوود وجعلتنا نصدّقها. استمرت تلك الفكرة بالنمو مع دخول أتمتة الروبوتات والذكاء الاصطناعي إلى مكان العمل، وشعر العديدون بأن وظائفهم مهددة وأن الروبوتات قد تستولي على أعمالهم وتترك أعدادًا ضخمة من الناس بلا عمل. وفي الوقت ذاته يتطلع آخرون إلى الجودة التي تضفيها المركبات ذاتية القيادة والأجهزة المنزلية المؤتمتة على حياة الأسرة. والحقيقة أننا لا زلنا بعيدين عن أي من هذين المشهدين على الرغم من الاستعانة بتلك التقنية وتطبيقها السريع. ولكن ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لنا الآن؟ وكم ستتغير حياتنا في المستقبل القريب؟ سنلقي هنا نظرة على أبرز عناصر النجاح عندما تدرس استخدام والذكاء الاصطناعي والأتمتة في عملك.
إن كنت تقرأ هذا المقال فأنت على الأرجح تعرف مزايا الأتمتة الذكية على صعيد العمل: فهي تحقق الكفاءة وتزيد سرعة العمليات وتمكن البشر من تسخير وقتهم للتركيز على أمور تعزز قيمة الأعمال وترفع من إنتاجية الموظفين وتدعم توفير التكلفة. ولهذا فإن القيمة المضافة المترتبة على استخدام تلك التقنية ستكون هائلة عند استعمالها بالشكل الصحيح.
كما أن هناك تحديات تفرضها الأتمتة: حيث تطرأ الحاجة لتغيير أدوار الموظفين التي ربما تصبح قديمة أو غير مطلوبة إلى جانب صعوبات إدارة البيانات وسهولة الوصول والتدريب وزمن التوقف عن العمل والمساءلة في المشاريع.
لن يفهم الناس إمكانات التقنية بالكامل أو القيود التي تحدّ من قدراتها في الوقت الحالي إلا بعد تطبيقها والبدء باستخدامها، فنحن وصلنا إلى مرحلة أتمتة العمليات اليدوية المتكررة ولكننا لم نصل بعد إلى السيارات ذاتية القيادة على نطاق واسع. وفي الوقت الذي نجد فيه روبوتات الذكاء الاصطناعي مميزة في إدارة العمليات ضمن المؤسسة، فلا يزال من غير الممكن لها إضافة القيمة إلى الأعمال بالشكل الذي يمكن للبشر. إلا أن الأتمتة و الذكاء الاصطناعي يتمتعان بالقدرة على تغيير أسلوب عمل الناس معًا، مما يتيح للعاملين القيام بعمل أفضل وأسهل وأسرع وتحسين أسلوب تعاملهم مع مهامهم اليومية.
ولتكون أعمالك جاهزة للأتمتة، يجب أن تكون هناك منهجية استراتيجية تقوم من خلالها: بتحديد مجالات الأتمتة وما الذي يجب أن يبقى تحت إدارة البشر، تعمل مع فريقك على نهج التحسين المرتقب والتعامل مع أية مقاومة لهذا التطبيق، والإقرار بأهمية العنصر البشري في العملية.
- الروبوتات ليست قادرة على إنجاز كل المهام
تضيف الأتمتة قيمة إلى العديد من مجالات العمل، إلا أننا لا نزال بعيدين للغاية عن أتمتة قوة العمل بالكامل للتعامل مع جميع جوانب الأعمال. قبل أن تقوم فرق التطوير ببناء روبوتات الدردشة وأتمتة العمليات لكل ما يخطر على بالهم، يجب أن تكون لديهم رؤية واضحة لما ستتعامل معه الأتمتة وما يمكنها إضفاء القيمة له. كما يجب تحديد دور الروبوتات ودور البشر بوضوح لكل دور جدي. من المعتاد أن تركز الروبوتات على المهام المتكررة التي تندرج ضمن العمليات المتسلسلة بينما يختص البشر بالمهام التي تحتاج إلى التفكير التحليلي والنهج المرن أو اتخاذ القرارات بدراسة كل حالة على حدة.
- ثقافة التحسين
عادة ما يكون الهدف من الاستعانة بالتكنولوجيا هو إجراء التحسينات في قسم ما أو مكان عمل كامل، ومن النادر استخدامها فقط لأن القسم لديه فائض من الميزانية في نهاية العام. ولكن التكنولوجيا لا قيمة لها بدون البشر الذين يحققون نجاحها – ولهذا فلا بد من التغيير الثقافي الذي يبدأ من الإدارة العليا وصولًا للموظفين وتشجيعهم على تبني الأتمتة. كما أن تعريف فرق العمل بأهمية الأتمتة وفائدتها لهم وتدريبهم على كيفية إدارة روبوتات الأتمتة سيدعم إدارة التغيير خلال العملية بأكملها.
- للبشر قيمة أساسية في مكان العمل
تظهر العديد من الدراسات أن أداء البشر يكون أفضل عندما يقدّرون قيمة أنفسهم وقيمة العمل الذي يساهمون به في المؤسسة – أي بعبارة أخرى، عندما يشعر البشر بأهمية عملهم. يوفر الذكاء الاصطناعي والأتمتة للناس مزيدًا من الفرص التي تجعلهم يشعرون بقيمتهم، ولكن عند تحليل بعض العمليات ندرك بالفعل كم تنطوي على التكرار الذي يقوض الحماس والإبداع. ومن خلال أتمتة تلك العمليات يتوفر المزيد من الوقت لفرق العمل للقيام بأمور أكثر أهمية وتحفيزًا مما يحسن حياتهم العملية ويمكنهم من تحقيق فعالية أكبر في العمل.
ماذا يحمل المستقبل القريب؟
لا تزال هناك حاجة للربط بين الناس لتحقيق النجاح على المستوى المؤسسي، ولسنا بعد في مرحلة يمكن فيها إدارة الأعمال من خلال مكان العمل الافتراضي، ولكن مع تطوير الأدوار الوظيفية والأهمية الكبرى التي تعطى للمهارات الفكرية الدقيقة، فإن هناك دومًا مكاناً لفرق العمل البشرية إلى جانب الروبوتات. ويعني ذلك إمكانية تحقيق قدر كبير من النجاح باستخدام الذكاء الاصطناعي والأتمتة عند اتباع الأسلوب الصحيح والنظر إلى الصورة الكاملة بتمعن وابتكار طرق جديدة للعمل.