وجمعت الأمسية بين الدلالات الرمزية في الفنون الإماراتية التراثية، وتطبيقاتها العملية التي نشرت البهجة في نفوس الحاضرين، وأفسحت للأجيال المجال لكي يستعيدوا تقاليد وأعراف تداولتها الفنون الشعبية منذ القدم وتطرق إلى أهميتها في تأصيل تراث الإماراتي العريق وتعزيز هويته الوطنية وتنوعه الحضاري الممتد من الصحراء إلى الساحل والواحات والجبال.
وقال عبدالله ماجد آل علي، المدير العام: «فتح الأرشيف والمكتبة الوطنية أبواب مجلسه الرمضاني على عادات وتقاليد وفنون من تراثنا العريق، لما له من أهمية في إثراء مجتمعات المعرفة، إيماناً منا بما قاله المؤسس والباني المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله».
وأضاف آل علي: إن «التعريف بتاريخ الدولة وتراثها وحضارتها جزء من مهامنا، لذلك علينا أن نسلط الضوء على موروثنا الذي يجب أن نحافظ عليه، وهذه الفنون تمثل جزءاً من التراث الشعبي في الإمارات، وتنوعها يعكس ثراء ثقافة مجتمعنا».
جاءت المحاضرة على شكل حوار أدارته د.عائشة بالخير، مستشارة البحوث، ورئيسة فريق التاريخ الشفاهي مع كل من سعيد محمد الحربي الشحي، رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية بجمعية الشحوح للثقافة والتراث برأس الخيمة، وراشد بن جمعة العزاني، مستشار فني في مجال الفنون الشعبية بجمعية العين للفنون الشعبية.
وقدم سعيد محمد الحربي الشحي تعريفاً بفن «الندبة»، وهو من أشهر فنون الشحوح القديمة، والندبة نداء خاص للعزوة والتفاخر تؤديه جماعة تسمى /الكبكوب/ وتردد فيه كلمات معينة عند قدوم الضيوف ترحيباً بهم، وهي من عادات سكان الجبل ويكونون أثناء ذلك حلقة دائرية يتوسطهم (النديب)، وهو الذي يتمتع بطول النفس، ويبدأ بنداء العزوة ويردد الآخرون خلفه بصوت يوحي بالرجولة والقوة.
وأكد الحربي أن الندبة لم تتغير، وما زالت تؤدى على طريقة الأجداد؛ مشيراً إلى أن الضيف هو الذي يندب، وأن الجميع يتشاركون بالندبة، لافتاً إلى أن الندبة كانت تستخدم لاستثارة النخوة في المعارك، واليوم صارت جزءاً من الفولكور التراثي، وترجع الكلمة إلى معناها، وهو الدعوة، وهي من ندب القوم أي دعاهم.
وقدم الحربي تعريفاً لفن «الرواح» الذي يؤدى على قرع الطبول، ووصف أوقات اليوم والمناسبات التي يؤدى فيها هذا الفن. كما تناول في حديثه فن «الحربية»، لاسيما الذي تمارسه القبائل التي تسكن رؤوس الجبال، ويؤديه أكثر من شاعر، وعن «اليولة» و«غلية السيف»، وهي مهارات حركية إبداعية تشير إلى التحكم بالسيف والعصا والبندقية.
ثم تحدث راشد بن جمعة العزاني عن فن «العيالة»، وهو فن شعبي يحتل مكان الصدارة بين فنون الخليج والجزيرة العربية، مشيراً إلى أن فن «العيالة» يؤدى في كل المناسبات الاجتماعية والوطنية، و«العيالة» تعبير عن الانتصار بعد الحرب، لذلك فإنها تجسد قيم الشجاعة والفروسية والبطولة والقوة العربية.
وتحدث العزاني عن أصل الكلمة وعن الإيقاعات التي تستخدم فيها، وما ترمز إليه حركاتها.
وتضمنت الأمسية تطبيقاً عملياً من الفرق المختصة لكل ما تطرقت إليها المحاضرة، وبشرح مفصل عن أوقاتها والمناسبات التي تؤدى بها، وعن جذورها في التراث الإماراتي، ما جعل الفائدة تقترن بالمتعة.
وفي ختام الجلسة أعربت د.عائشة بالخير، مديرة الجلسة، عن سعادتها الغامرة لمثل هذه الفعاليات قائلة: «أتاح الأرشيف والمكتبة الوطنية مساحة للتعليم المستمر، ولاحتواء المفكرين والمهتمين بالموروث والتاريخ واستدامة حوار الحضارات».