تستخدم شركة الهندسة البيئية “كيروس” في باريس بيانات أقمار اصطناعية ونماذج من الذكاء الاصطناعي لترصد بدقة عمليات تسرّب الميثان، وهو غاز قوي من غازات الدفيئة المنبعثة من مصادر الطاقة الأحفورية.
وهذه الأعمدة الغازية عديمة الرائحة وغير مرئية في الهواء، تظهر على خرائط الشركة على شكل سحب ملونة، بعد معالجة صور التقطتها أقمار اصطناعية.
ورصدت “كيروس” منذ العام 2019، قرابة 10 آلاف حدث لتركيز غاز الميثان في العالم، من الولايات المتحدة إلى الهند مروراً بتركمانستان والجزائر، إزاء ممارسات ضارة أو حوادث سيئة الإدارة في البنية التحتية للصناعة الأحفورية.
وتحدث تسريبات كهذه عندما “تُسجَّل مشاكل في الضغط بخط أنابيب الغاز” وتكون الصمامات مفتوحة “لتجنب خطر الانفجار”، على ما يوضح عالم البيانات في “كيروس” ألكسيس غروشنري.
والميثان الذي يتمتع بعمر أقصر من ثاني أكسيد الكربون لكن بقدرة أكبر في ما يخص الاحترار، مسؤول عن نحو 30% من الاحترار العالمي منذ الثورة الصناعية.
وتشير وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أنّ 40% من انبعاثات غاز الميثان المتأتية من إنتاج مصادر الطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز) يمكن تجنّبها، وبتكلفة شبه معدومة. لكن يتعيّن رصدها وقياسها بشكل صحيح.
وتستخدم “كيروس” في مقرها تسعة أقمار اصطناعية تديرها وكالات فضائية حكومية أو رسمية كوكالتي الفضاء الأوروبية والأميركية، والتي ترسل صورها إلى الأرض بترددات مختلفة، مرات عدة في الأسبوع أو كل 15 دقيقة، بدقة كبيرة أو صغيرة تبعاً للنماذج.
ويقول غروشنري “نعمل مع مختلف المصادر المتاحة لمحاولة تعزيز المراقبة”.
ويؤكد أن الجانب السلبي بالنسبة إلى “علماء الرياضيات” في مجال التكنولوجيا الخضراء هو وجود “كمية كبيرة جداً من البيانات التي يتعين معالجتها، إذ لا يمكن ببساطة النظر إلى كل الصور”
– تدريب واسع –
ويقول غروشنري “لمعالجة هذه الكميات من البيانات، نبتكر نماذج من الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق ثم ندرّبها حتى تتمكن من تنفيذ مهمة الرصد” تلقائيا.
ويشكل التعلم العميق فئة من الذكاء الاصطناعي ابتُكرت قبل الذكاء الاصطناعي التوليدي بفترة طويلة، وهو أسلوب حوسبة فائقة يركز على تدريب الشبكات “العصبية العميقة”.
وينبغي أن يتعلم نموذج الرصد “مليارات البيانات” لتدريب نفسه على التعرف على مختلف أعمدة الميثان، حتى الصغيرة منها أو التي تصعب رؤيتها بسبب الإضاءة الخافتة أو الغيوم مثلاً.
ويقول عالم البيانات “لتدريب نموذج الرصد بشكل صحيح، سنولّد باستخدام خوارزميات المحاكاة، كمية من البيانات الوهمية لكن المعقولة ماديا”. ويتم بعد ذلك التحقق من صحة النموذج بعد اختباره على بيانات حقيقية عن تسرب الميثان.
وتستند الشركة أيضا إلى أحدث التطورات في الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقديم تحليلات بناءً على أسئلة بسيطة.
ويقول المشارك في تأسيس “كيروس” أنطوان روستان “بفضل معلومات كثيرة متراكمة في شأن البنى التحتية الهيدروكربونية في قاعدة بيانات، نطرح على الذكاء الاصطناعي أسئلة مختلفة من بينها اسم الشركة التي أطلقت أكبر كمية من غاز الميثان في الأسبوع الفائت، ثم نجري مقارنات أو نحدد البنية التحتية التي حصل منها التسرب”.
وتقدم “كيروس” بياناتها إلى منظمات دولية كالأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية ودول (فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية) وجهات فاعلة في مجال الطاقة وإلى مديري الصناديق الذين يرغبون في تقييم المخاطر المناخية على استثماراتهم.
وتأسست الشركة في العام 2016، نتيجة “اعتراف بفشل جماعي” في وقف آثار التغير المناخي.
وتشيد وكالة الطاقة الدولية التي تتجاوز تقديراتها بشأن غاز الميثان تقديرات الأمم المتحدة بنسبة 50%، بالاعتماد على “عدد متزايد من الأقمار الاصطناعية المتطورة التي تراقب تسربات غاز الميثان، على غرار “ميثان سات” MethaneSAT، وهو قمر اصطناعي من “غوغل” مُزود بالذكاء الاصطناعي أُطلق في آذار/مارس.
والاعتماد على هذه الأقمار سيتيح لوكالة الطاقة الدولية التحقق من الالتزامات الأخيرة لشركات النفط والغاز بخفض انبعاثات غاز الميثان إلى الصفر تقريبا.